من حق المملكة العربية السعودية أن تفكرَ في مصالحها السياسية والاقتصادية، كدولة مستقلة لها قرارها السيادي تماماً، مثلما تفكر أميركا والقوى الغربية الكبرى في مصالحها وقراراتها السياسية بدون فرض الحلول والهمينة والإملاءات. ربط السياسات الداخلية الأميركية بأوبك+ خطأ استراتيجي الغرب والاستحواذ على القرار فلماذا يحق للغربِ وأميركا أن يستحوذَ على القرار والإملاء على الآخرين، وكثيراً ما فعلوا ذلك في قارات العالم الخمس، بينما حين يتعلقُ الأمر بمصالح دول أوبك+ يوزعون الاتهامات المجانية، ويورطون أنفسهم في فضائح سياسية، كما حدث عندما طلبت الإدارة الديموقراطية من المملكة مؤخراً، تأجيل قرار تخفيض إنتاج النفط لمدة شهر ريثما تنتهي الانتخابات النصفية في الكونغرس، مما أثار عاصفة انتقادات في الداخل الأميركي ضد الادارة الديموقراطية. النفط ليس بعبعاً.. وشيطنة الطاقة تداعياتها كارثية أسعار الوقود خطر داهم الديموقراطيين وتشكّل أسعار النفط والوقود المرتفعة خطرًا كبيرًا على الديموقراطيين، إذ يسعون للسيطرة على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي في 8 نوفمبر كيفما اتفق، ويهدف اليسار الأميركي بأي حالة الفوز بتلك الانتخابات لكي يحسنوا وضعهم في الداخل ويصححوا مسارهم تمهيداً لخوض انتخابات الرئاسة 2024. وهو ما أغضب البيت الأبيض الغضب من قرار أوبك+ بخفض سقف إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، بدءًا من شهر نوفمبر المقبل حتى شهر ديسمبر 2023. صناعة البعبع أميركا صنعت من روسيا البعبع الأكبر في أزمةِ الحبوب والقمح العالمية، حين منعت هي وأوروبا استقبالَ الحبوب الروسية ومقاطعتها، بل ومنعت السفنَ الروسية المحملة بالقمح والحبوب الروسية من العبور أو الرسو في الموانئ الأوروبية والأميركية والبريطانية، وطالبت دولَ العالم بمقاطعة الصادرات الروسية بما فيها الحبوب!! وها هي الآن تحاولُ أميركا أن تصنعَ من دول أوبك+ البعبع النفطي الذي يحرم العالمَ من زيادة إنتاج الطاقة والنفط بشكل خاص، إنها سياسة الشيطنة. تصدير الأزمات للخارج كلما مرت إدارة بايدن بأزمةٍ سياسيَّةٍ واقتصاديَّة في أميركا.. وأميركا لا تتحدث عن زيادة الأسعار في كثير من المواد الحيوية كالغذاء والغاز والحبوب والحليب وزيوت الطبخ والكهرباء ولكن حين يتعلقُ الأمر بالنفط فإن واشنطن تنتظر من دول أوبك+الموافقة على قراراتها ضد مصالح اقتصادية. بينما واشنطن لم ترحم حلفاءها الأوروبيين حين قررت زيادة أسعار الغاز الأميركي أربعة أضعاف كبديل للغاز الروسي! خيارات السيطرة على أسعار النفط وبدأت إدارة بايدن في سلسلة من التشاور مع الكونغرس حول أدوات وسلطات إضافية لتقليل سيطرة أوبك على أسعار النفط، واستكشاف طرق لتعزيز إنتاج الطاقة الأميركية وتقليل سيطرة تحالف أوبك+ على الأسعار. سلاح ذو حدين وبحسب خبراء أميركيون فإن الخيارات التي يمكن أن تستخدمها الولاياتالمتحدة في سعيها لخفض أسعار النفط ومواجهة تحالف أوبك+ تتمحور في استمرار السحب من احتياطي النفط الاستراتيجي، حيث يمكن للإدارة الأميركية أن تقرر الإفراج عن المزيد من الخام من احتياطي النفط الاستراتيجي من أجل خفض أسعار النفط داخل أميركا. مقاضاة أوبك+ تمرير مشروع مقاضاة أوبك وتعهّد الرئيس بايدن بالتشاور مع الكونغرس بشأن أدوات إضافية لخفض سيطرة أوبك على أسعار النفط، في إشارة محتملة إلى جهود استمرت لعدة عقود من أجل تقديم دعاوى مكافحة الاحتكار ضد أوبك بتهمة تنظيم تخفيضات في الإمدادات. فقد اجتاز مشروع قانون مقاضاة اوبك (لا لأوبك) لجنة مجلس الشيوخ في مايو، وخرج العديد من المشرعين لدعم مثل هذا التشريع منذ قرار أوبك +. إلا أن مصادر أميركية أعربت عن مخاوف البيت الأبيض بشأن حدوث عواقب وخيمة لمشروع القانون، وعلى الرغم من تحذيره العلني بشأن قرار خفض إنتاج أوبك+، فهو سيؤدي الى ارتفاع أعلى لأسعار النفط. أما ما يتعلق بفرض قيود على صادرات الطاقة الأميركية، فلقد انتقدت وزارة الطاقة شركات النفط الأميركية علنًا لتصديرها كميات هائلة من البنزين والمنتجات المكررة الأخرى، وجني أرباح ضخمة، في وقت كانت فيه أسعار الطاقة الاستهلاكية مرتفعة والمخزونات المحلية ضعيفة. وأثار ذلك قلق صناعة النفط من أن البيت الأبيض سيحاول فرض حظر أو قيود على صادرات الطاقة الأميركية، وهي خطوة تقول الصناعة إنها ستقوّض قيم السوق الحرة، وتجعل من الصعب على الشركات المنافسة. وفي هذا السياق، طلبت مجموعتان من كبار الصناعة من الإدارة الأميركية أن تستبعد صراحةً القيود على الصادرات. وقالت وزارة الطاقة الأميركية إن هذا الخيار لم يجرِ النظر فيه حاليًا، لكنه يظل مطروحًا على الطاولة. كما حثّت الإدارة الأميركية شركات الطاقة على تعزيز إنتاج الخام والمنتجات المكررة، لكن المحللين والمسؤولين التنفيذيين في الشركات يقولون إن زيادة الطاقة تتطلّب سنوات من الاستثمار واليقين التنظيمي. واستخدمت إدارة بايدن مجموعة من الإجراءات الأصغر لتخفيف أسعار الوقود، بما في ذلك رفع القيود الصيفية على مزيج الإيثانول المرتفع في البنزين لزيادة الكميات، وتخفيف بعض المتطلبات البيئية الإقليمية الأخرى لتسهيل الأمر على المصافي لتزويد السوق. خيارات إضافية وتشمل الخيارات الإضافية وقف الضريبية الفيدرالية على الغاز أو بطاقات غاز يُمكن أن توفر خصومات للمستهلكين، أو تخفيف محتمل لقانون جونز، وهو قانون يتطلب نقل البضائع المحلية على متن ناقلات أميركية الصنع باستخدام نقابات العمال، لتوسيع عمليات التسليم المنقولة بحرًا، أو رفع العقوبات عن الدول المنتجة للنفط مثل إيران وفنزويلا لمساعدتها على زيادة الإنتاج. كل من هذه الأفكار ثقيلة سياسيًا، ومع ذلك يمكن أن يكون لها أيضًا تأثير محدود في الأسعار. كما استخدم الرئيس بايدن -في وقت سابق من العام الجاري (2022)- تعليق ضريبة البنزين الفيدرالية لمدة ثلاثة أشهر، على سبيل المثال، لمساعدة المستهلكين؛ لكن المشرعين رفضوا ذلك، لأنهم اعتقدوا أن ذلك سيكلّف الحكومة الكثير من الخسائر في الإيرادات. وهناك أيضًا خيار ترشيد الاستهلاك، إذ يُعَد الأميركيون إلى حدٍ بعيد أكبر مستهلكي البنزين في العالم، وذلك بفضل السيارات الكبيرة ومسافات القيادة الطويلة وقلة وسائل النقل العام في العديد من المناطق. وأثبتت الأرقام أن واردات النفط الأميركية من دول منظمة أوبك تُعَد ضئيلة للغاية، على الرغم من إصرار إدارة بايدن على ربط ارتفاع أسعار البنزين بإنتاج النفط من قبل المجموعة. ومع ذلك، تمثّل واردات البلاد من دول أوبك 17 % فقط من إجمالي الواردات الأميركية، التي بلغت 8.724 مليون برميل يوميًا في شهر يوليو الماضي. مصالح انتخابية والآن، قبل نحو أربعة أسابيع من الانتخابات النصفية في الولاياتالمتحدة، تصعد أسعار النفط أكثر مدفوعة بقرار خفض الإنتاج. وهذا يمكن أن يؤثر بدوره كثيرا على فرص نجاح حزب الرئيس بايدن الديموقراطي في هذه الانتخابات. وهناك رؤية خاطئة بأن أوبك+ تسعى من خلال سياستها النفطية إلى إنجاح الحزب الجمهوري في هذه الانتخابات وهذا غير صحيح إطلاقاً. تناقض وانتقدت الإدارةُ الأميركيَّةُ دول أوبك + بشكل خاص لعدم تجاوبها مع رغبتها في زيادةِ إنتاج النفط بقصد احتواء ارتفاع أسعار النفط عالميًّا، فإن واشنطن في الاتجاه الآخر تعهدت بتوفيرِ الغاز للاتحاد الأوروبي ولكن بأسعارٍ خيالية تتجاوزُ سعرَ الغاز الروسي بأضعافٍ مضاعفة مما حدا بالرئيسِ الفرنسي ماكرون ومعه المستشار الألماني أولاف شولتس أن يعلنا صراحة رفضَهما الأسعارِ الخيالية التي تطلبها واشنطن لتوفير الغاز الأميركي للقارة الأوروبية، وقال ماكرون في خطابٍ أثناء اجتماع القادة الأوروبيين في براغ نشكرُكم على تقديمِ الغاز البديل للغاز الروسي ولكن لا نستطيعُ تحمُّلَ دفع ثمنه الذي يتجاوز أربعة أضعاف ما تبيعه واشنطن إلى الشركات الأميركية داخل أميركا. إذا أميركا تصبُّ جامَ غضبها على منظمة أوبك+ بينما هي أميركا لم تكن رحيمةً حتى بحلفائها الأوروبيين، إذ تبتزُهم بتحديد أسعار مبالغ فيها للغاز الأميركي كبديل للغاز الروسي! إنها خيارات.. البيت الأبيض.. أحلاهما مرّ.. أسهلها صعب.