يبدو أن الإدارة الديمقراطية أطلقت النار على نفسها، قبل أسابيع قليلة من انتخابات نصفية مهمة للكونغرس ستحدد ملامح المدة المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي بايدن، بعد بيان وزارة الخارجية السعودية، الذي أفاد أنها تلقت طلبا من الإدارة الأميركية بتأجيل قرار أوبك + لمدة شهر، بمعنى أن يكون قرار تخفيض إنتاج النفط بعد الانتخابات النصفية للكونغرس، ليتمكن الديمقراطيون من الفوز بها كونهم متخوفين من أن أسعار البنزين في الداخل الأميركي ستمنع الناخب الأميركي من التصويت لمصلحة الديموقراطيين. مساءلة بايدن وانتقادات وهجوم على الديمقراطيين مساءلة الرئيس وانتقادات على الملأ وتلقت الإدارة الديمقراطية سيلا من الهجوم والانتقادات اللاذعة، من معظم النخب ومراكز الدراسات والسياسيين الأميركيين، معتبرين أن الطلب الأميركي يعتبر فضيحة سياسية، ستؤثر على مسار الحزب الديمقراطي كونهم قدّموا مصالح الحزب على مصالح الشعب الأميركي واهتموا فقط بسير الانتخابات النصفية المصيرية حتى أن بعض أعضاء الكونغرس الأميركي ذهبوا إلى أبعد من ذلك حيث اعتبروا أن هذا الطلب قد يؤدي لمساءلة الرئيس بايدن وعزله في حالة فوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية وسيطرتهم على المجلسين. ردود فعل البيت الأبيض متشنجة ومبالغ فيها تخبطات الإدارة الديمقراطية وفي غمار موجة حالة الفزع والهلع داخل اليسار الأميركي نتيجة قرار أوبك + تخبطت الإدارة الديمقراطية، ووضعت العديد من السيناريوهات التي لن تضر الإدارة الديمقراطية نفسها، بل الشعب الأميركي، كون قرار أوبك + نهائي ولا رجعة فيه. كما أن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الشهر المقبل، قادمة ولا رجعة فيها وأي قرار ارتجالي سينعكس سلبا على الإدارة والشعب الأميركي، حيث ترى شركة الأبحاث، وود ماكنزي، أن ردّ فعل واشنطن على قرار خفض إنتاج أوبك+ كان صاخبًا ومبالغا فيه بشكل كبير، على الرغم من أن تأثير هذا الإجراء لن يكون قويًا في السوق البترولية خصوصًا أن قرار "أوبك بلس" صدر عبر "توافق جماعي" بين الدول الأعضاء حيث تتخذ قراراتها باستقلالية وفقا لما هو متعارف عليه من ممارسات مستقلة للمنظمات الدولية. الحوار البنّاء وليس فرض الحلول قرار "أوبك +" جماعي فيما قال خبير نفطي أميركي: إنه مثلما عملت أميركا على تخفيف تكاليف الوقود عن مواطنيها بالسحب الضخم من احتياطي النفطي الاستراتيجي فإن أوبك+ تدافع عن مصالحها. وأضاف أن قرار خفض إنتاج أوبك+ بنحو مليوني برميل يوميًا أقلّ تأثيرًا في سوق النفط مما يوحي به رقم التخفيضات؛ إذ ينتج العديد من أعضاء المجموعة أقلّ بكثير من الحدّ الأقصى المسموح، لذلك لن تتأثر هذه الدول بالحصص الجديدة بموجب القرار، حسب التقرير الذي تابعته وحدة أبحاث الطاقة. هزيمة في الانتخابات النصفية وبحسب خبراء غربيين أن قرار خفض إنتاج أوبك+ يُمكن احتواء تأثيره من قبل الأسواق، إلا أن ردود فعل الإدارة الأميركية جاءت نتيجة قناعة الحزب الديموقراطي أن الحزب متجه نحو هزيمة في الانتخابات النصفية، لا محالة، إذ أعلن البيت الأبيض أن إدارة بايدن ستتشاور مع الكونغرس حول أدوات وسلطات إضافية لتقليل سيطرة أوبك على أسعار النفط. وما أثار خيبة أمل الإدارة الأميركية هو فشل محاولاتها لإقناع المملكة برفع إنتاج النفط وبحسب مصادر تحدثت ل "الرياض" فان أوبك+ اتخذت قراراتها بحسب الإجماع الكامل لأعضائها وما زعمته المتحدثة باسم البيت الأبيض أن تصويت بعض الأعضاء في أوبك + جاء نتيجة ضغط المملكة عليهم غير صحيح إطلاقا، وهذه التصريحات ما هي إلا محاولة فاشلة لتغطية فضيحة الإدارة الديمقراطية. وكان بإمكان للإدارة الأميركية أن تقرر الإفراج عن المزيد من الخام من احتياطي النفط الاستراتيجي من أجل خفض أسعار النفط، وهو المسار الذي اعتمد عليه بايدن بشدة لإبقاء أسعار البنزين تحت السيطرة. فشل سياسي وقال عضو مجلس الشيوخ توم كوتون أن سياسة إدارة بايدن هي الحرب على صناعة النفط داخل أميركا وخارجها، وغضبهم من خفض إنتاج أوبك+ ليس بسبب التخفيض بل بسبب التوقيت الذي جاء قبل الانتخابات النصفية كاشفا أن المسؤولين الأميركيين شنوا حملة ضغط مكثفة لإقناع أوبك +، وعندما قررت المجموعة تخفيض إنتاج النفط، قوبل بردة فعل أميركية أقلّ ما يمكن أن يقال فيها إنّها متشنجة ولم يصدر من الدول الأوروبية أي موقف شبيه على غرار الموقف الأميركي، رغم أنها من أكثر المتضررين من حظر الغاز الروسي. لا لتسييس النفط ولم تستخدم المملكة النفط كسلعة انتخابية ولم تفكر بالتأثير على انتخابات الكونغرس القادمة لصالح الجمهوريين، وكما ترفض المملكة التدخل في شؤونها الداخلية تنأى بنفسها عن التدخل في شؤون الدول الأخرى. وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير واضحا عندما قال: إن المملكة لا تستخدم النفط كسلاح ضد الولاياتالمتحدة، نافياً أن تكون السعودية قد خفَّضت إنتاج النفط لإلحاق الضرر بالولاياتالمتحدة. وليس هناك رأيان أن ردود الفعل اليسار الأميركي على قرار أوبك + يعكس عن ارتباكات في صفوف الإدارة الأميركية، خصوصا تسريع إقرار مشروع "نوبك" الذي قد يمهد لعقوبات في المحاكم الأميركية، وهذا قرار ستكون تبعاته كارثية على الداخل الأميركي أولا. ومن المؤكد أنّ الإدارة الأميركية تدرك أنّ خياراتها مفتوحة في التعامل مع الموقف المتغير ولكن وبعيداً عن الردود المتشنجة، فعلى العقلاء في الإدارة الديمقراطية وضع مجمل العلاقات والشراكات مع المملكة والتي امتدت لثمانية عقود في الاعتبار فالعلاقات الثنائية لها مكاسبها. فالمملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة الأميركية تتمتعان بشراكة استراتيجية امتدت لأكثر من ثمانية عقود تدعمها المصالح المشتركة بينهما، رغم أن هذه العلاقات شهدت مد وجزر. خاصةً أن الولاياتالمتحدة الأميركية لا تزال في مرحلة البحث عن بديل للنفط الروسي بسبب العقوبات التي تستهدف موسكو، بسبب استمرار الحرب في أوكرانيا فيما تشهد أسعار النفط عالمياً ارتفاعاً غير مسبوق، بسبب اضطراب مبيعات النفط من روسيا، ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم بعد المملكة. العالم يعيش على أطرافه إن العالم يعيش اليوم على أطراف أصابعه حرفياً، بسبب مخاوف تحول الحرب الأوكرانية إلى حرب عالمية ثالثة، أو كما وصفها الرئيس بايدن "حرب نهاية العالم"، في وقت يواجه فيه الرئيس بايدن ضغوطاً لخفض أسعار البنزين في الولاياتالمتحدة، حيث أعد اليسار الأميركي لأجندات داخلية وخارجية دمرت سمعة أميركا التي تخسر كل يوم ثقة حلفائها التاريخيين والأساسيين وتخسر تحالفات عملت الإدارات الأميركية السابقة كثيرا على بنائها وكسبها وتعزيزها. وهي من تخسر التأثير بالمشهد السياسي والعسكري في الشرق الأوسط. روسيا والصين والهند قادمون فها هي روسيا والصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان يملؤون الفراغ الأميركي وتبني تحالفات أقوى وأسرع من قدرة أميركا على الحفاظ على حلفائها التاريخيين، فإن كانت أميركا جادة في استمرارها كقوة عظمى تقود العالم فعليها أن تعيد النظر في مصادر صناعة القرار ومصادر معلوماتها وفي سياستها الخارجية بشكل جذري. أثارت الحرب الروسية - الأوكرانية سؤالاً محورياً بات يشغل بال المخططين الاستراتيجيين، وكبار المفكرين والساسة في الغرب، من ضمن أسئلة عديدة أخرى، يدور حول مآلات النظام الدولي الذي سيطرت عليها الولاياتالمتحدة الأميركية، منذ سقوط الاتحاد السوفياتي في 1991. وقد انعكست تلك الإخفاقات السياسية والعسكرية الخارجية على المشهد الأميركي الداخلي، وأمست الطبقة السياسية محاصرة، أكثر من أي وقت مضى، بجملة من الأسئلة المحرجة حول حروبها وغزواتها وانسحاباتها، وتخبطاتها في القضايا الدولية، والتي جعلتها شبه عاجزة عن سد الفراغ الذي تركه سقوط الاتحاد السوفياتي، بالاعتماد المتزايد على القوة العسكرية في السياسة الخارجية والفشل في وضع أسس عادلة ومستقرة لنظام دولي محكوم برؤية يقبل بها العالم. قوة عظمى.. ولكن إن أميركا ما زالت قوة عظمى ولا شك، ولكنها لن تكون منفردة بهذه القوة، تلك حقيقة بات يدركها عدد متزايد من المفكرين في الغرب، وهي أن التاريخ بدأ يتحرك في أماكن أخرى: في روسيا والصين والهند والبرازيل، وفي أوروبا الموحدة التي بدأت تتحسس طريقها نحو الاستقلال عن الهيمنة الأميركية، إنه فصل جديد من دورة التاريخ.