كنت قبل ربع قرن في إجازة أنا وزوجتي في لوس أنجليس، ونسكن في منطقة بيفرلي هيلز الراقية، ثم عنَّ في بالي أن نزور مدينة «تيوانا» في المكسيك أو تيخوانا كما ينطقها أهلها، كان لدي ذكريات عن هذه المدينة رغم أنني لم أزرها من قبل، لكنني شكلت الصورة الذهنية عنها من بعض زملاء المرحلة الثانوية الذين ذهبوا لدراسة البحرية وكانوا يرتادون تيوانا في الإجازات. المهم أقبلنا على تيوانا بعد ساعتين من السفر، وكانت المفاجأة لي هي أن هذه المدينة لا تمت بصلة للمخيلة الإيجابية التي رسمها خيالي عنها، فقد صدمتني بتشوهاتها البصرية، وذلك بالطبع عكس ما هي عليه لوس أنجليس كمثال من تنظيم وتمازج بصري في مبانيها وهويتها العامة من حيث الألوان وتناسق لوحات المحلات التجارية في الأحجام والألوان. أما تيوانا فكانت شوارعها تكتظ باللوحات المتنافرة لوناً وحجماً وارتفاعاً وانخفاضاً وازدحاماً، والواضح أن قرار التنفيذ والاختيار كان متروكاً لمزاج الأفراد وملاك المحلات التي تزدحم في تراصٍ منفر في معظم شوارع تيوانا، التي أيضاً تتجاور فيها الصيدليات الكثيرة على نحو لافت للنظر، وهو ما يشير إلى شيء من التكسب التجاري، بحيث أصبحت الصيدليات لا تكتفي ببيع الأدوية لكنها زادت لتبيع شيئاً من الإكسسوارات وبعض الأغذية وشيء من العطور، وهو ما أخرجها عن وظيفتها الأصلية، ومثل ذلك يحدث عندنا -للأسف- في كثير من صيدلياتنا، وهو ما يحتم المراجعة والنظر في هذا الأمر، عموماً فإن ما شاهدته في مدينة تيوانا لم يشعرني بشيء من الغربة أو الاندهاش فهو الأمر الذي ألفته في مدينتي الغالية الرياض ومدننا الأخرى، لكن ما دفعني الآن لهذا التداعي والتذكر هو ما عزمت عليه وزارة الشؤون البلدية ثم أمانة مدينة الرياض من وضع خطط للقضاء على هذا التشوه البصري بداية بتنظيم الهوية الموحدة للوحات المحلات التجارية وتحسين المشهد الحضري وصولاً إلى رفع معدلات جودة الحياة في مدينة الرياض، وهي قد بدأت فعلاً في تطبيق ذلك وأظن أن ذلك سيكون منحى بلديات المدن المملكة الأخرى، ليأتي هذا التحسين منسجماً مع رؤية 2030 التي جاءت متكاملة من خلال تغيير الحالة الاجتماعية والصحية والترفيهية والاقتصادية في المملكة بما يرفع من معدلات جودة الحياة، بحيث أصبح متزامناً ومتلازماً تحسين مشهد الرياض البصري على صعيد اللوحات التجارية، وتخفيف موجة التصحر عبر خطة «الرياض الخضراء»، وهو ما بدأنا نلمسه في كثير من شوارع مدينة الرياض، ومازال في الوقت مزيد من إزالة للتشوهات وتحسين الحالة البصرية للسكان والزائرين. أتمنى لأمانة مدينة الرياض النجاح في خططها التي تسير بوتيرة سريعة لتحسين هوية الرياض وجودة الحياة فيها كما يليق بعاصمة إحدى دول العشرين.