ضمن برنامج «تاريخنا قصة» أطلقت دارة الملك عبدالعزيز ورشتها الإثرائية الثالثة بعنوان «التاريخ بين الأدب والفلسفة» نماذج من الرواية التاريخية، والتي قدمها الأستاذ الباحث في المناهج النقدية: طارق بن سعد القرني، وأدارها الأستاذ فيصل السرحان خلال يومي «الثلاثاء، والأربعاء 27-28 سبتمبر 2022» افتتحها مدير الورشة الباحث بالرواية التاريخية الأستاذ «فيصل السرحان» قائلًا: «مع تداخل المعرفة وامتزاج عقولها، والتطور الملحوظ واشتباكها بالفلسفة الصادرة عن رؤى متعددة وجدنا طريقًا فسيحًا لفتح آفاقاً حوارية تقرّب التصورات في التاريخ والفلسفة والأدب.» ثم تلاه «القرني» مفتتحًا ورشته بتعريفه للتاريخ حيث اعتبره «مجموعة ذوات» وأكد بأنّ العلوم الحديثة اهتمت بجسدنة العلوم. وأننا جميعًا لا نعرف غير الماضي. ورأى أنه يتوجب علينا فحص التاريخ فحصًا دقيقًا قائمًا على الشك. وأضاف: «لو فكرنا بالتاريخ لا يمكن لنا معرفة أهم صفاته إلا بعد تتبع امتداده الزمني والوجودي. والزمن ليس إلا مقياسًا لحالة معينة أثناء قراءتنا لفترة ما.» واستمر في حديثه حول التاريخ قائلًا: «إن دراسة التاريخ يجب أن تأتي من خلال الفكرة الرئيسية لكتابته أولًا كتابة زمنية، وتتبعها مرحليًا، وإعادة كتابة الأحداث والدمج فيما بينها وبين الواقع.» وأضاف القرني: «إنّ الرواية تأتي لتسد الثغرات التي لا يسدها التاريخ. ثم إن التاريخ يود أن يخبرنا عن درجات الوعي ووجوب تطبيقها. ويعتمد على نقل الفكرة إلى أن تصبح فكرة «أيدلوجية» ثابتة لا يمكن فهم التاريخ من دونها. وأما الرواية فهي محاولة اخترعها الإنسان من أجل أن يزيد الامتداد الوجودي للأحداث. وتسد الرواية الثغرات من أجل إقامة حضارة جديدة. ويمكن للروائي أن يتدخل في صناعة التاريخ من خلال الحكايات السردية.» ثم عرج «القرني» على «مشروع الجاحظ الذي أراد من فكرته لتأليف كتابه «البيان والتبيين» أن يوصل فكرة «تاريخانية» لذا هو عاد إلى مئتي عام قبل الإسلام. فأراد هنا أن يوصل فكرة أن الثقافة التي نسميها عربية.. إنما هي ثقافة العرب، وأن لغتهم قادرة على أن تحتوي كل شيء، وقادرة على التوسع في شرح التفاصيل بدقة متناهية.» ثم عاد «القرني» بحديثه ليربط الرواية التاريخية بورشته قائلًا: «الرواية التاريخية تأتي لتخبرنا بطريقة غير صادقة، لتقرب النموذج حتى يصبح مكافئًا لما نعتقده في أذهاننا. ومن ثم نستطيع من خلالها أن نزدلف إلى فهم أعمق في التاريخ ونخفف علينا بذلك من وطأته المعلوماتية.» واختتم بهذا الجزء المهم في الأول من ورشته. واستكمل «القرني» حديثه في اليوم الثاني من الورشة بمثالٍ تطبيقي حول مؤثرات الرواية من حيث التلقي والتأثر مستخدمًا نموذجه بواحدة من روايات نجيب محفوظ «عبث الأقدار». وكذلك عرّج على مؤلفات «الرافعي» متخذها كمثال آخر واصفًا تجربته: «بأنه حين بدأ يؤلف كتابه «وحي القلم» ابتدأه بالقص، والحكاية ثم انتقل إلى الحديث عن الأفكار الرئيسة التي تناولها. متوصلًا إلى أن «الكتابة التاريخية تجعل الأمر غريبًا عند الناس وأنها تدفعهم إلى مناقشة المعلومات المكتملة.» وأوضح «القرني» في الورشة التطبيقية أنّ هناك رسالة دائمًا أمام كل ما يمكن كتابته، والرواية التاريخية هي الأكثر حاجة في إثرائها برسائل مهمة للحقب المنصرمة وتأثيراتها، وسيناريوهاتها المتطورة التي يتوجب أن تُلزمنا بها الكتابة. ثم طرح «القرني» سؤاله على المشاركين بورشته: «كيف يمكننا المزج بين المرجعية والتخييل التاريخي؟» وتباينت آراء المشاركين حيث اتفقوا على أنّ المرجع الثابت لا يمكن تغييره ما لم تستجد معلومات أقدم وأسبق عليه. فيما اختلف بعضهم: على كون التخييل مفتوحًا. وأنّ خلق أبطال خياليين لا علاقة لهم بالمرجعية ومنحهم أدوارًا لا تفسد النص التاريخي بل أنّ هذا التخييل قد يزيد من جمالية النص التاريخي، ومؤثراته. فيما تفرد رأي أحد المشاركين بالورشة بإجابته، «الأستاذ: منصور عبدالله العمرو» الذي قال: «للمؤلف أن يسبل خياله كما يشاء، ولكن سدنة التاريخ قد لا يعتبرونها تاريخًا، وأن الرواية التاريخية قد لا يُعتدّ بها لتكون مرجعًا تاريخيًا. واستشهد في حديثه برواية «طنين» لكاتبها سيف الإسلام بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود، التي رآها من وجهة نظره إنما هي حشد تاريخي متصلًا، وكان يتمنى أن لو جاءت ممزوجة بالكثير من التخييل الفني، والدرامي، أو العاطفة السردية. واختتم «العمرو» مشاركته بقوله: «إن المؤلف إذا ما حشد التاريخ في روايته خاليًا من العاطفة والتخييل فإنما هو يكتب تاريخًا ليس إلا.» وفي آخر الورشة لخص «القرني» حديثه في «أنّ الرواية التاريخية تمنحك الفرصة بكتابة رواية. وأن من مساوئ واقعنا الفكري أننا جعلنا التاريخ وكأنه «منيو المطاعم» وأما الأمم الأخرى فترى أن المؤرخ هو أهم الشخصيات، وأنّ كتاب الرواية التاريخية مهمين في حياة الناس؛ كونهم يستطيعون إعادة صياغة التاريخ وفق أيسر الطرق، وأجملها، وأعذبها. وأنّ قراءة التاريخ صعبة وتحتاج إلى شجاعة وعمق طويل، ونحن بحاجة إلى فرق عمل من أجل قراءة حقبة زمنية معينة لإعادة بنائها توضيحها وتحليلها بالشكل الأكثر أناقة. وأتمنى في آخر حديثي أن نقرأ روايات تاريخية سعودية عبر برنامج» تاريخنا قصة «ناجحة ومؤثرة وتعيد لنا الشخصيات التي فاتنا اللحاق بها، وأن نقرأ تاريخنا السعودي من خلال هذه الأعمال. جانب من الحضور