التغيرات التي يشهدها العالم على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتقني كانت ما زالت تلقي بظلالها على المؤسسات، وهذا ما تنبأت به شركة "غارتنر" متوقعة تأثير ستة توجهات على بيئة العمل خلال الأعوام العشرة المقبلة. فالتوجه الأول يكشف عن تغير أدوار الإدارة الوسطى نتيجة التحولات داخل المؤسسات، مما أدى إلى إلغاء ودمج وظائف، وانعكس هذا على زيادة نطاق الإشراف للمدير (عدد المرؤوسين)، وبالتالي سيتغير دوره في المستقبل ليتولى دورين في آن واحد: "مدير" و"كوتش" للموظفين يتعامل معهم بكل مشاعر التعاطف. أما التوجه الثاني، فيتمثل في ازدياد أهمية ترفيع المهارات (upskilling)، والتمكن الرقمي (digital dexterity) على الخبرة والأقدمية في العمل، ويقصد بترفيع المهارات تعلم مهارات جديدة تسهم بتطوير الموظف في وظيفته الحالية، وهي تختلف عن إعادة تعلم المهارات (reskilling) التي تهم الموظفين ممن يعتزمون تغيير مساراتهم الوظيفية، أو الباحثين عن عمل الذين ينوون الالتحاق بوظائف في غير تخصصاتهم الدراسية. فالعمل في المستقبل سيعتمد كثيرا على القدرات الإدراكية للموظفين، ويستلزم الإبداع والتفكير الناقد وترفيع المهارات الرقمية لحل المشكلات المعقدة، ويتطلب من المؤسسات من جهة أخرى توفير بيئة عمل محفزة على التعلم المستمر. فيما ينبأ التوجه الثالث بتزايد الاهتمام بجمع معلومات أكثر عن الموظفين، فالعمل المهجن فرض متابعة إنتاجية الموظفين من خلال أجهزة تسجيل الحضور الافتراضية، وقياس استخدام الحاسب، ومتابعة المراسلات والمحادثات الإلكترونية. وبينما تتابع مؤسسات إنتاجية موظفيها، تركز غيرها على فحص صحتهم وارتباطهم لتتعمق في فهم تجربة الموظف، فالتقنية ستستخدم مستقبلا لمتابعة الإيقاعات الحيوية (biorhythms) للموظفين، واحتياجاتهم الغذائية، والتمارين اللازمة لهم، ومن ثم التدخل لإشعار "المنهكين" منهم بالتوقف للحصول على استراحة أو إجازة. أما التوجه الرابع، فقد يتجاوز الخيال، إذ ستكون الأجهزة الذكية ليس مجرد "أدوات" في المكتب، بل "زميلة" لنا في العمل، وسيكون للموظفين "أشباه" افتراضيين -نسخ منهم- بمعونة الذكاء الاصطناعي، يساعدونهم في إنجاز ومتابعة المهام! التوجه الخامس يكمن في تغير "الغاية" التي تدفعنا للعمل، إذ سنعمل فعلا من أجل "الشغف" وليس مجرد "المال"، فالموظفون صاروا أكثر تفاعلا مع قضايا مجتمعاتهم، وهذا ما يلاحظ في وسائل التواصل الاجتماعي، لهذا، فالمؤسسات ستكون جذابة ليس بقدرتها على دفع الرواتب العالية فحسب، وإنما بمدى نجاحها في إشراك موظفيها في التفاعل مع قضايا المجتمع. وأخيرا، يحمل لنا التوجه السادس تزايد تحديات الموازنة بين العمل عن بعد والحياة، فالكثير من الموظفين ممن يعملون عن بعد سيواجهون مشكلات بناء علاقات اجتماعية مع محيطهم وخاصة زملائهم في العمل، مما يفاقم من مشكلات الوحدة والانعزال (disengagement) عن بيئة العمل. أنا وأنت وزملائك -خاصة ذلك الزميل الذي يعتقد أن برنامج "أكسل" آخر ما وصلت إليه التقنية- هل نحن جاهزون للمستقبل؟