قبل سنوات قليلة، وصل حجم سوق التدريب في المملكة إلى نحو 10 مليارات ريال، ثم أخذ الرقم يتذبذب حتى تقلص الإنفاق على التدريب بشكل حاد عام 2020. إذ تضرر سوق التدريب بسبب الجائحة، في فترة تعالت فيها أصوات قادة المؤسسات لإعادة الهيكلة وتخفيض التكاليف التشغيلية، وما ترتب على ذلك من تخفيض لأعداد الموظفين، ولم يكن لأحد حينئذ أن يجرؤ على فتح موضوع التدريب الذي ينظر له بمثابة ترف وليس ضرورة، وهذا ما يجعل التدريب وميزانيته - للأسف - الحلقة الأضعف وقت الأزمات. وعلى الرغم من أن التدريب على مستوى المؤسسات توقف أو تقلص العام الماضي، إلا أننا لاحظنا حرص الأفراد على التدريب مع انتشار الحلول الإلكترونية التي أدت إلى تخفيض تكلفة التدريب وتقصير مدته. لكن القمم والقيعان من سنن الأسواق، ولهذا نتوقع تنامي سوق التدريب السعودي خلال عام 2022 وما بعده لعدة أسباب، هي: أولاً: انطلاق برنامج تنمية القدرات البشرية في سبتمبر 2021، وهو أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030، ويقوم هذا البرنامج على ثلاث ركائز رئيسة، هي: (1) تطوير أساس تعليمي مرن ومتين للجميع، و(2) الإعداد لسوق العمل المستقبلي محلياً وعالمياً، و(3) إتاحة فرص التعلم مدى الحياة. فكما أن البرنامج يعتمد على التعليم، يعتمد كذلك على التدريب، من خلال عدة أساليب منها ترفيع المهارات (upskilling) أي تعلم مهارات جديدة تطور الموظف في وظيفته الحالية، وإعادة تعلم المهارات (reskilling) لاستهداف الموظفين الذين يعتزمون تغيير مساراتهم الوظيفية وحتى الباحثين عن عمل الذين يلتحقون بوظائف في غير تخصصاتهم. وطالما أن "البرنامج" يعتمد على التعليم والتدريب، فمن المقترح أن ينظر القائمون في أثر معاملة قطاع التدريب بقطاع التعليم (الخاص) من حيث الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة، مما يسهم في تحفيز الأفراد والمؤسسات على زيادة الإنفاق على التدريب بأرقام غير مسبوقة. ثانياً: اشتعال المنافسة في السوق السعودي مع تزايد دخول الشركات العالمية، وكان آخرها 44 شركة استلمت تراخيص فتح مقراتها الأإقليمية، وتوقع قدوم المزيد، خاصة بعد قرار الحكومة إيقاف التعاقد مع أي شركة أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة في غير المملكة ابتداء من 01 يناير 2024. ثالثاً: استئناف حركة السفر الجوي سيعيد الزخم إلى التدريب "الحضوري" بعد أن تشبع الكثير من التدريب الإلكتروني، فالناس متعطشون ل"السفر" و"التفاعل المباشر في التدريب"، وهذان الأمران يمكن أن تعزف عليهما السياحة الداخلية، بحيث يتم تحويل بعض الأماكن والاهتمام بها على أنها وجهات جديدة لغرض التدريب، مثل "العلا"، فهي مرشحة بقوة لاستضافة البرامج التدريبية (كالقيادية والمتخصصة) التي تحتاج إلى الخروج عن الأجواء المألوفة. وبعد أن أوصدت "دكاكين" التدريب أبوابها وخرجت من السوق، فإن المؤشرات الثلاثة تحمل فرصاً مثمرة أمام المستثمرين تغريهم بالعودة مجدداً لسوق التدريب مع التركيز على الجودة! * مستشار في الموارد البشرية