الغربيون إذا واجهوا مشكلات مع المتاجر تراهم كثيراً يقولون: "هذه آخر مرة آتي لهذا المكان!" وما شابه ذلك. في السابق كنت أسمع هذه العبارات وأستهين بها، هل سيخسرون لأن فلاناً قرر عدم العودة لهم؟ لكن رأيت أن لهذا المبدأ أهمية عظيمة، إن الغربيين يتكلمون ليس بأصواتهم فقط بل بأموالهم، ولا يستهينون بأنفسهم، فلا يهمه إذا كان غيره سيزورون المطعم أو يشترون المنتج أو ينزلون الفندق، بل إذا غضب منهم ورأى منهم ظلماً أو وقاحة يخبرهم أنهم لن يحصلوا على ماله بعدها أبداً، في هذا أرى هناك اعتزازاً بالنفس، ونوعاً طيباً من الكبرياء، وعكس هذا ما أراه في الكثيرين الذين يستمرون في شراء منتجات أو العودة لمتاجر سيئة أو مطاعم تعاملت بوقاحة معهم، فيعود مستقبلاً ولسان حاله يقول "وماذا سيخسرون لو أني قاطعتهم؟"، ولا يدرك أنه حتى لو لم يخسروا كثيراً فإنه هو قد ربح.. ربح كرامته.. ربح عزة نفسه.. انتصر في المعركة المعنوية. عندما تَكثُر المقاطعات لمؤسسات تجارية سيئة فإن هذا يجبرها أن تحسن من سياساتها وتعاملها، ولدى الغربيين نقابات ومؤسسات تهتم بحقوق المستهلكين وعامة الناس ولها منشورات ومجلات ومواقع إلكترونية، فهذه جبهات بالغة القوة وتضع المؤسسات التجارية تحت الضوء وترهبهم لكيلا يستغلوا الناس ويغشوهم. لكن حتى من دون هذه المؤسسات الشعبية يمكن للفرد أن يصوّت بماله، لا يحتاج أن أكون ذا نفوذ عظيم لكي أقول لشركة ظلمتني: "لن أشتري منكم أبداً". لا يجب أن أكون ذا مالٍ طائل لكي أقول لمؤسسة تعاملت معي بسوء أدب: "هذه آخر مرة آتي هنا"، يكفي أن أعلم أن بالي مرتاح لأن مالي لم يذهب لهم، ولو كان ريالاً واحداً، لا يهمني إذا خسروا أم لم يخسروا، إنما الخسارة الحقيقية لي أنا لو أن مالي ذهب لهم من جديد وذلَّت نفسي لهم. لا تستهن بنفسك، صوّت بمالك.