أخيرا تصل قافلة الرحالة الإنجليزي داوتي عام 1878م إلى حائل بعد مدة قضاها بين العلا والجوف وبين ظهراني البدو أول ما تبادر له بعد مغادرة قفار لحظة الاقتراب منها بناية عالية ذات أبراج قتالية هذه البريجات النجدية الفخمة والمبنية جيدا من الآجر الصلصالي كما يصفها هي ذاتها تشبه مناراتهم في إنجلترا، وذكر له أحد أدلّائه والمدعو نصر أنها تعد المقر الصيفي للأمير (محمد العبدالله الرشيد) وعندما اقتربوا للمدينة أكثر رأى الجدران تمتد نحو الخلف جاعلة من البلدة سياجا ضخما من النخيل وعلى اليمين رأى بستانا طويلا من النخيل في الصحراء مغلقا بجدران عالية وعلى اليسار يقع امتداد آخر أكثر قفرا وأكبر حجما زرعه عبيد بن رشيد كما يقول من أجل ميراث أولاده والآن يبدو كأنه معلق فوق البلدة -البرج المحصن المبيض للقصر هذه الأبنية الصلصالية يبيضونها بالجص- مروا راكبين بذاك المقر الصيفي الذي ينتصب عند جانب الطريق في البرج كما قالوا له تنصب قطعة صغيرة من المدفعية أسفل جدار البيت الصيفي توجد قناة جديدة يجري عن طريقها ماء السقاية إلى خزان عام وتأتي نساء البلدة إلى هنا لجلب الماء -هذا الذي يسمونه ماء السماء (المطر) يعتبر أفضل ماء في البلدة فمن كل آبارهم الأخرى يصعد الماء ذو طعم الفلزات المالحة والمرة الذي يسبب الحمى الشديدة ترجلوا هناك وانزلت امرأة قدر الماء المعدني الكبير عن رأسها قدمت لهم الماء ليشربوا– طلب الدليلة نصر من داوتي أن لا يركب من جديد وأن عليهم أن يعبروا بعض الممرات المنخفضة راجلين وهنا يعلق داوتي (لم يكن ذلك سوى خداع من البدوي الهمجي الذي بدا بخصلات شعره الطويلة المتلبدة مستذئبا أكثر من كونه رجلا -إنهم يخشون أن ينتقص من قدرهم بسبب كلمة وحتى أن يعاملوا بخشونة في البلدة لذلك فقد كان حريصا على ألا يدخل النصراني راكبا بالارتفاع المغرور لجمله). تابع داوتي وأعضاء رحلته السير عن طريق الشارع الخارجي للقصير ووصل إلى المدخل البدائي ذي المصراعين الذي يغلق ليلا على سوق حائل وهناك رأى وجه أحد المعارف القدماء ينتظره (عبدالعزيز) وهو سائس فرس الأمير محمد الرشيد مر عليه الآن اثنا عشر شهرا، حيا بعضهم بعضا وسأله عبدالعزيز بلطف عن صحته ودعاه إلى الدخول ماضيا أمامه عن طريق آخر لجلب أخبار الأمير وتابع داوتي مروره مشيا وسط سوق حائل العام الذي كان مليئا بالتجار والبدو في هذه الساعة ورأى الكثير من الباعة والمتسوقين في الحوانيت العربية المظلمة. والمشغولين بالبيع والشراء وحيثما جاؤوا مروا بحشد من الرجال والجمال -كان الناس بالكاد وكما يقول يلاحظون الأوربي الغريب ولم يلتفت سوى البعض للنظر إليه. بعد ذلك خرج تاجر يلبس ثيابا جديدة ذو لحية ذات لون زعفراني أخذ داوتي من يده بالطريقة العربية وقاده بضع خطوات إلى الأمام فقط ليسأل بحذر من أين أتى وهنا يعرج داوتي إلى أصحاب اللحى الزعفرانية كما أسماها والتي تشاهد قليلة هنا في حائل وفي السنوات الأخيرة كان الأمير عبيد الرشيد قد حول شعر لحيته الرمادي إلى اللون الزعفراني مشيرا إلى أنه تقليد فارسي ولاحظ أيضا أن الرجال الميسورون في حائل يستخدمون الكحل في عيونهم ومن هؤلاء العرب الذين يشبهون الصقور حيث إن الذكور يعتنون بأنفسهم يتأنقون ويتزينون ويولون ذلك مزيدا من الاهتمام. كان السوق ينقسم إلى عدة أقسام وقرب نهايته يوجد سوق الحبوب ويباع هناك أيضا حمولات الجمال من الحطب والأعشاب والحشائش البرية المستخدمة علفا للمواشي وإلى الأسفل رأى بائعات محجبات تحت رواق ومعهن سلال (زبلان خوص) حيث يجلسن يوميا منذ شروق الشمس ليبعن التمر والقرع وبعضهن يبعن الحلي النسائية الرخيصة ( يتبع ) .. زبلان خوص لحمل التمر والخضار التمر بيوت الطين تزين بالجص