بعد مغادرة الرحالة الإنجليزي داوتي بلدة موقق مع مرافقيه البدو عام 1878م في طريقه إلى حائل حينما عبرت قافلتهم مضيقاً صخرياً يسمى ريع السلف توقفوا عند نبع بارد كان يتدفق بغزارة من جرف صخري ملؤوا منه قربهم وهرع العرب وهم يتعرون ليغتسلوا، فالبدو كما وصفهم داوتي لا يتركون أي فرصة يجدون فيها الماء إلا ويتوقفون عنده يرشرشون الماء مثل عصافير الدوري. كان بدوي فقير قد انضم إلى قافلة داوتي، جاء وهو يسوق حماراً، وكان سعيداً عندما ناوله حفنة من تمر تيماء لطعام إفطاره، وعند منعطف صخري على الطريق استوقفهم ثلاثة من البدو تبين أنهم من نفس قبيلة صاحب الحمار، والذين طلبوا منه حسب داوتي بأن يرجع، ويتركهم يقتلون النصراني ولكنه تصدى لهم وقال إنه في وجهي ولا يمكن أن أتخلى عنه مما جعلهم ينصرفون واستمرت قافلة داوتي في مسيرها نحو حائل حتى سمعوا جلبة حصان يعدو خلفهم وصوت جرجرة لخفف الجمال فوق الصخور الرملية، كان هؤلاء حشداً فالتاً من الأجلاب أو الجمال المجلوبة، إنه قطيع سمسار (تاجر إبل) حيث كان تجار الإبل والمواشي يذهبون لبيعها في جبل شمر، وكان يرافقه مساعدون من قبيلة بشر. صاح به غلام كان يسوق الإبل.. أليس معك بعض الكعك؟ كعك دمشق لتعطيني فأنا في كل المسير والركض من صباح اليوم لم أذق شيئاً. كانوا في وقت العصر المتأخر وعند ما تقدمت القافلة قليلاً نظر داوتي إلى الأسفل فوق سهل قفار كانت خضرة نخيل الواحة تمتد قليلاً أمامهم كانت الشمس تغرب عندما أراه مرافقه نصر الجبل الشهير ذي القرنين (سمراء حائل) الذي ينتصب على مسافة قليلة خلف القرية العاصمة على الجهة الشمالية. ويمضي داوتي إلى أن قفار تكتب (كفار) وعلى لسان البدو جيفار إذ كانت قفارا تقبع مثل موقق، وهي محاطة ببساتين تسورها من الصحراء قبل البلدة وقرأ الارتفاع الذي كان 4.300 قدم وحينما دخلوا من طريق خال وعريض بين سورين طويلين لم يشاهدوا أحداً ولا بيوتاً في المكان. كان ذلك وقت الغروب وهو الوقت الذي يدخل القرويون العرب ليتناولوا عشاءهم. ولم يلاقهم هناك سوى امرأة مستترة، سخر من سترها وحجابها بكل بجاحة وهو غير قادر على إخفاء عقيدته التي جاهر بها فتسببت له بالكثير من المتاعب معتبراً ذلك الحجاب نذالة آسيوية واصفاً العرق العربي النبيل بالفظاظة في مسألة النساء. وقال غاضباً: إن وجوه النساء التي خلقها الله لأجل بهجة العالم البشري يجري تحويلها إلى هذا الرعب الغيور، فهم لا يقبلون أن يشاهد شيئاً من زوجاتهم المحجبات بالأثواب والعباءات الكئيبة سوى اليدين. ترجلوا قرب المسجد في قفار أو مكان إناخة الضيوف حيث ينزل كل المسافرين ويستقبلون على العشاء تلك المهمة العامة العلنية لأهل الجبل من أجل الضيافة وهي هنا على الطريقة الشائعة كبيرة جداً لأنه حسب التقليد العربي كما يقول داوتي ينطلق المسافرون عند العصر وأولئك الذين يسافرون من حائل في اتجاه الجنوب يمرون فقط بتلك المرحلة القصيرة الأولى.. النوم في قفار. بوصولهم ذلك المساء مع تجار الماشية دعوا جميعاً للعشاء من مضيفهم في قفار وقدم مع ضيافته تمر قفار الذي وصفه بالحرشوفي الهزيل؛ إذ لا يعد التمر وحده حتى أفضله طعام مساء وحده ليوضع أمام الغرباء ومع ما قدمه مضيفهم قدم أيضاً اعتذاره قائلاً: إن رب المنزل وكبير الأسرة في حائل. ويذكر داوتي أن مرافقه نصر قدم التبن من مخزن العلف الجاف بالتساوي إلى ذلوله ولناقة داوتي البائسة كما وصفها، ثم صنع عجينة من جريش الشعير الذي اشتروه من موقق وجعله أو عجنه مع التمر وأطعم دابة الرحالة وهو يقحم هذه العجينة في فمها بملأ يديه. وهناك استلقى نصر قرب الإبل ليمضي هذه الليلة المتلألئة النجوم في غبار شارع القرية.. ( يتبع ) سمراء حائل تمر تيماء قفار