للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف وأيضًا طرائف وأشجان تستحق أن تروى، "الرياض" تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف الباحث الاجتماعي والمؤلف خالد بن محمد الدوس للحديث عن ذكرياته حول مكتبته البيتية التي تُعد متنوعة الكُتب والمؤلفات، وتضم بعض الكُتب القديمة. * في أيِّ مرحلة عمرية تعرَّفتَ على الكتاب؟ * علاقتي مع خير جليس في هذا الزمان الكتاب بدأت معي وتشكلت ملامحها منذ الصغر ويعود تاريخها لأكثر من ثلاثين عاماً خلت وأتذكر جيداً أن علاقتي بالكتاب وقراءته كانت منذ دراستي في المرحلة الابتدائية وكنت أقرأ القصص والحكايات وسير الصحابة والتابعين ثم تطورت العلاقة أكثر في المرحلتين المتوسطة والثانوية، ولا أنسى دور أخي المثقف من أمي الراحل ناصر بن إبراهيم الشريمي -رحمه الله- في غرس بذور حب القراءة في وجداني منذ صغري، ومع مرور الزمن شيئاً فشيئاً تأصلت هذه العلاقة ونمت خلاياها بصورة أكبر في المرحلة الجامعية، ثم بعد التحاقي بالدراسات العليا بقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود وكنت أزور المكتبات الوطنية والجامعية والتجارية لشراء الكتب والمراجع خصوصاً كتب العلوم الإنسانية والاجتماعية بحكم التخصص علم الاجتماع الذي يسمى أبو العلوم الاجتماعية، فضلاً عن متطلبات الدراسات العليا للأبحاث العلمية والمقررات ذات العلاقة بالتخصص في مرحلة البكالوريوس ثم بالدراسات العليا ومن هنا بدأت فكرة تأسيس مكتبة منزلية تضم كتب العلوم الاجتماعية والإنسانية والبيئة والتربوية والشرعية، لأن الباحث الاجتماعي الحصيف ينبغي أن يقرأ في كل العلوم المختلفة خصوصاً الإنسانية والاجتماعية لتوسيع آفاقه وتنمية قدراته الفكرية وبناء ثقافة عميقة تسهم في توسيع مدارك الفكر وصقل العقل. والحقيقة كلما تذكرت علاقة الأديب العربي المعروف عباس محمود العقاد مع الكتاب.. الذي كان يقرأ في اليوم أكثر من ست ساعات ليصبح في زمانه عميد الأدباء والمفكرين.. مع أنه لم يكن يحمل إلا الشهادة الابتدائية..! ازددت خجلاً مع خير جليس!! فالكتاب -لا مناص- هو النور الذي يرشدنا إلى الحضارة، وإلى الرقي الثقافي والمعرفي. ولذلك أحرص على شراء كُتب علم الاجتماع وفروعه من داخل وخارج المملكة لأن فروع علم الاجتماع أكثر من (40) فرعاً وما زال علم الاجتماع يقدم فروعاً جديدة وميادين حديثة تواكب متغيرات الزمان والمكان. * ما أبرز المحتويات التي رافقت بناء مكتبتك الشخصية؟ * حقيقة لا يوجد أي مشروع سواء تجاري أو ثقافي أو علمي إلا ويصاحبه العديد من الصعوبات والتحديات، ولعل أبرز هذه المعوقات والإشكاليات نحو تأسيس هذه المكتبة المنزلية لجمع مادتها ومحتوياتها وترتيبها وتنظيمه وعلى مدى (15) عاماً كنت أنتقل من مكتبة إلى مكتبة لشراء الكتب ذات التخصص بشكل أكبر، وأتابع آخر تطورات ولادة فروع أخرى لعلم الاجتماع من الخارج لشرائها عبر المواقع الإلكترونية، وأحياناً أجد صعوبة في الحصول على هذه الكُتب الصادرة حديثاً مثل علم اجتماع المرأة وعلم اجتماع الفضائح، وعلم اجتماع الإرهاب، وعلم اجتماع الفساد.. ويبقى علم الاجتماع علماً ولاداً يتفاعل مع الأحداث والمتغيرات الزمانية والمكانية ليصبح أهم العلوم الاجتماعية بشهادة رواد الفكر الاجتماعي والثقافي. * ماذا عن تصنيف الكتب القديمة لديك بمكتبتك؟ * لاشك أن معظم القراء في كثير من الأحيان تتجه بوصلة اهتمامهم إلى البحث عن المعلومة والمتعة والتشويق في الكُتب التي يحرصون على شرائها وقراءتها بصرف النظر عن كون الكتب قديمة أو جديدة، وهناك من القراء من يعطون اسم المؤلف أو الناشر اهتماماً كبيراً بحيث لا يهتمون كثيراً بتاريخ النشر وطباعة الكُتب.. طبعاً المتخصص في دراسة التاريخ والباحثين يفضلون الكُتب القديمة على الحديثة خصوصاً إذا كان الكتاب له أكثر من طبعه. أما عن مكتبتي المنزلية فإن فيها كتباً في التخصص ذات طبعات قديمة، وأعتبرها رغم قلتها نادرة أو شبه نادرة من حيث تاريخ الطباعة والنشر ربما يعود تاريخ بعضها ما يقارب (40) سنة ومنها كتب اجتماعية وثقافية وإعلامية. * هل لديك مخطوطات تاريخية بمكتبتك؟ * المخطوطات مصطلح ظهر بعد عصر الصناعة ليفرق بين المطبوع والمخطوط غير أن العرب الأوائل كانوا يطلقون على المخططات أمهات الكتب «المؤلفات - كُتب الأصول» ومعروف أن المخطوطات خصوصاً التاريخية هي مهمة صعبة ومعقدة تتطلب دراسة عميقة لهذا الفن ولذلك لا يتصدى لها سوى أولئك العلماء الذين لهم دراية وخبرة بتحقيق التراث والمخطوطات ويحيطون بقواعد هذا الفن وأصوله، فالعناية القصوى لأي محقق في أي مجال تخصصي والتحقيق في مصادره هي أن يخرج الكتاب الذي حققه كما أراده صاحبه وتركه عليه من حيث المعلومات. ولذلك لا يوجد في مكتبتي المنزلية أي مخطوطات رغم أني أتمنى ذلك خصوصاً تراث التخصص «علم الاجتماع» الذي ولد على يد مؤسسه العالم العربي عبدالرحمن ابن خلدون -رحمه الله-، ولم أجهد نفسي كثيراً في البحث عن المخطوطات. بالطبع المخطوطات تعد أصلاً من أصول التراث الثقافي والحضاري لأي شعب من الشعوب وأحد أهم مصادر المعلومات عن الماضي. وسأسعى في البحث عن تراث علم الاجتماع وكُتبه القديمة جداً بإذن الله تعالى. * هل لديك شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة؟ * نعم، مكتبتي المنزلية تحتوي على كثير من الصحف والمجلات القديمة خصوصاً كنت صاحب تجربة إعلامية في رصد التاريخ الرياضي قبل عشرين عاماً، وبالتالي لدي أرشيف خاص بالعمل الصحفي الذي كنت أمارسه قبل التحاقي بالدراسات العليا والتوقف عن العمل الصحفي المهني والاتجاه للعمل الإعلامي والأكاديمي في التخصص العلمي. وقد أهديتها لأخي الباحث التاريخي المعروف أ. فهد الدوس بحكم اهتمامه بالتاريخ القديم وعمله المهني المتميز في صحيفة الرياض عبر صفحة «نجوم الأمس الرياضي» بأبعادها التاريخية والإنسانية والوفائية والاجتماعية. * هل لديك كُتب مُهداة بتوقيع مؤلفيها؟ * نعم، لديّ كثير من الكُتب التي شرفني بها أصحابها المؤلفون ومن أبرزها كتاب (أتذّكر) للمؤلف د. بدر كريّم -رحمه الله-، وكتابه الثاني «الدوافع الاجتماعية للتعرض للصحف السعودية»، وأيضاً د. علي الخضيري، أهداني كتابه «الواقف في الشمس - سيرة حياة وذكريات»، كما أهداني الأديب المعروف أ. حمد القاضي نسخه من كتابه الثقافي «مرافئ على ضفاف الكلمة» وهناك كتاب علم الاجتماع الأسري إهداء من أ.د. بدرية محمد العتيبي أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومن الكُتب أيضاً كتاب المجتمع والسياسة للمؤلف د. حادي العنزي، وكتاب القياس الاجتماعي في الدراسات الاجتماعية للمؤلف أ.د عبيد بن عبدالله العمري، وكتاب دراسات في علم اجتماع الجسد للمؤلف أ.د عمر عبدالجبار رائد علم الاجتماع في السودان وكتاب «قضايا ومشكلات اجتماعية معاصرة» للمؤلف أ.د أحمد العجلان، وكتاب «أسس علم الاجتماع» من مؤلفه أ.د إسماعيل كتبخانة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة سابقاً، وغيرها من الكُتب المتنوعة. * كباحث اجتماعي متخصص.. ما المؤلفات التي صدرت لك؟ * صدر لي ثلاثة كُتب: «الإعلام وعلاقته بالتعصب الرياضي في المجتمع السعودي» -دراسة تحليلية وصفية- عام 2019م، ثم كتابي الأكاديمي «علم اجتماع البيئة» عام 2020م الذي يتحدث عن علاقة مظاهر البيئة بالسلوك الاجتماعي، وأخير كتابي الأكاديمي «في علم الاجتماع التطبيقي» عام 2022م، وهذا الكتاب يعتبر الأول من نوعه صدوراً من حيث المسمى والمحتوى العلمي، يقدم الكتاب لطلاب وطالبات علم الاجتماع التطبيقي، وللباحثين والمتخصصين بالظواهر والمشكلات الاجتماعية المفاهيم والموضوعات والأطر النظرية ذات العلاقة في دراسة المشكلات الاجتماعية. وقريباً كتاب يرصد سيرة الوالد -رحمه الله- بعنوان: «أبي.. معلمي الأول». * ما الأفضل برأيك.. المكتبة الورقية أو الإلكترونية؟ * بالنسبة لي أفضل المكتبة الورقية لكونها هي الأسبق والأصل والأفضل والسبب يرجع كوني تعودت كثيراً ولزمن طويل ومنذ أن زادت علاقتي مع الكتاب وحب القراءة والاطلاع الواسع وتحديداً بمرحلة التعليم العام قبل أكثر من ثلاثين سنة. طبعاً من مميزات الكتب الورقية وجود إحساس حقيقي من خلال حاسة اللمس «لمس الورق» وأيضاً سهولة تمييز بعض أجزاء الكتاب من خلال وضع علامات، أيضاً وضع فواصل للعودة، صحيح أن الكُتب الإلكترونية سهلة التوفر على الدوام حيث يمكنك دائماً وضعه في الحاسوب أو الجهاز اللوحي أو في هاتفك المحمول، لكن الكتاب الورقي أكثر راحة بشكل عام، ففي قراءة الكتاب الورقي متعة لا يشعر بها من يقرأ الكتاب الإلكتروني، وراحة للعين، وما زال مفضلاً وعند الكثيرين وما زال الكتاب الورقي متربعاً في أسواق الكتاب ومعارض الكتاب.. ويبقى «الكتاب» حتى في ثوبه التقليدي.. حينما يرحل الجميع صديقاً وفياً في كل زمان ومكان ولا يغادرك ولا يمل منك. * ما رسالتُك التي توجِّهها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة؟ * لا شك أن وجود مكتبة في البيت له أثر كبير في تنمية قدرة الفرد وبناء المهارات الذهنية والحساسية ويساعد على اكتساب مستوى أعلى من العلم والفكر والثقافة ويجعل من إنشاء مكتبة منزلية استثماراً كبيراً لمستقبل الأبناء. الكُتب في البيت هي الأرواح المصفوفة في مكتبتنا بألوانها واتزانها وفي وقوفها يسند بعضها بعضاً على الرغم من اختلافها واهتماماتها وجنسيات كتّابها إنها أجمل ما يطالعني في بيتنا. العلاقة بين الكتاب والإنسان المثقف أكثر عاطفة وحناناً وحميمية، ولذلك نصيحتي لكل من يملك مكتبة خاصة بأن يستثمرها ويطورها بتوفير المصادر المعرفية والكُتب المتنوعة والمنتقاة بعناية لكي تناسب جميع أفراد الأسرة لأنها تعد أهم الأدوات التربوية التي تساهم بإيجابية في تحقيق أساليب التنشئة الاجتماعية السليمة للأطفال التي تؤثر في مختلف مراحلهم العمرية والقراءة منهج حياة متكامل.. ويكفي أنها تمد عقولنا بجميع المعارف.. وتجعل تفكيرنا ينمو بشكل دائم. * ما أطرف العناوين في مكتبتك؟ * كثيرة ولكن الأبرز لاشك كتاب «البخلاء» للأديب عمرو بن بحر الشهير بلقب الجاحظ الذي ألّف الكثير من الكُتب، وكان يختار لمؤلفاته موضوعات غير مألوفة مثل كتاب البخلاء..! * هل مكتبتك متخصصة أم متنوّعة؟ * بطبيعة الحال مكتبتي متنوعة.. صحيح كوني متخصصاً في علم الاجتماع وباحثاً ومؤلفاً في ميادينه الحيوية ولديّ معظم الكُتب التي تضم فروع علم الاجتماع متوفرة في مكتبتي، فأحببت أن تكون متنوعة لأن علم الاجتماع علم أخطبوطي ومتشعب ومتفرع مرتبط بعلم النفس والاقتصاد والإعلام والتربية ومناهج الشريعة والسياسة والبيئة والجغرافيا والتاريخ، وهذه التخصصات المتنوعة متوفرة بحمد الله في المكتبة المنزلية. الدوس يقرأ أحد مؤلفاته بدر كريم عباس العقاد من إصدارات الضيف