للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف، وأيضاً طرائف وأشجان تستحق أن تروى، "الرياض" تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف المؤلف والكاتب التاريخي أ. عبدالرحمن بن فائز المقيطيف الجهمي، من محافظة بيشة التي تزخر مكتبته بالعدد من الكُتب من شتّى المجالات، منها الآثار، وكُتب الأدب، والنسب، والتاريخ، كذلك تحتوي على بعض المخطوطات والوثائق، وبعض الصحف والمجلات القديمة، ودواوين الشعراء كديوان: لقيط بن يعمر الإيادي، وقيس بن الخطيم، وعبدالله بن العجلان النهدي، وغيرهم. المكتبتان الورقية والرقمية جمعتا العراقة والحداثة * في أيِّ مرحلة من العمر تعرَّفتَ على الكتاب؟ * تعرّفت على الكتاب في وقت مبكر، منذ بداية دراستي الابتدائية بمدرستي الفيصلية والتي تضُم مكتبة رائدة، حينما كانت وزارة المعارف تضخ المكاتب المدرسية بكم هائل وبسخاء منقطع النظير وكان يستهويني في تلك الفترة القراءة والرياضة ومن ذلك سلسلة قصص الأطفال القصيرة المصوّرة وما زال عالقا في ذاكرتي العنزات الثلاث، الأقزام السبعة، علي بابا، السندباد، ليلى والذئب، وقد كنا ننتظر وبفارغ الصبر وقت الفسحة وذلك لاستعارة تلك القصص، ونحرص ألا يسبقنا إليها أحد ولو على حساب وجبة الإفطار، وفي البيت كانا شقيقاي الكبيران «منيس وناصر» محباً للصحف والمجلات وبخاصة الرياضية حيث كانا يشتريان لنا الكثير منها أمثال: «مجلة الرياضة والشباب، وعالم الرياضة»، مما توطّد شغف الاطلاع وحب والقراءة في ذاكرتي. وفي المرحلة الثانوية كنا نترقب حصة المكتبة والبحث للاستمتاع بالقراءة لاسيما في الحصص الأخيرة ناهيك عن تشجيع معلم المادة آنذاك الأستاذ القدير عبدالله بن هادي الذي كلّفني لأكون نائباً لرئيس جماعة المكتبة والبحث بالمدرسة، مساعداً لزميلي محمد بن هندي، وفي المرحلة الجامعية درسنا الكثير من المواد التي تُعنى بعلوم البحث العلمي ومنها مادة البحث التربوي وأذكر أنني قدّمت بحثاً نال استحسان أعضاء القسم، وكان بعنوان «الإصابات الرياضية في الملاعب». * هل تتذكر بدايات تأسيس مكتبتك المنزليَّة؟ * الحقيقة كانت فكرة المكتبة المنزلية، تشغل بالي كثيراً ونظراً لعدم اتساع المكان والذي وقف عائقاً فكان من الاضطرار وضع ما يتم جمعه من الكُتب في صناديق الورق المقوّى «الكرتون» لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً - ولله الحمد - فقد تحقق ذلك ونمت المكتبة واجتمع لدىّ أضاميم من كُتب النسب والأدب والتاريخ ودواوين الشعراء وهي من دعائم المكتبة. * ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * معارض الكُتب هي من أوعية المعلومات المطبوعة، وتوسع المدارك الثقافية والفكرية والتي نحرص على حضورها سنوياً والالتقاء بالزملاء الأدباء والمثقفين من جميع الدول الخليجية والعربية، وفي هذا العام نلت شرف توقيع كتابي «بيشة في الشعر العربي ج 1» على منصات التوقيع في معرض الكتاب بالرياض. * ما أبرز المنعطفات التي رافقت نمو مكتبتك الشخصية؟ * أبرز التحولات التي واجهتني تنقل المكتبة من مكان إلى آخر، وكما لا يخفى على الجميع أن نقل الكُتب فيه صعوبة بالغة مما يتسبب في فقدان وتلف بعضها، كذلك من أبرز الصعوبات التي واجهتها عند تأسيس المكتبة عدم توفر المبالغ التي من خلالها يمكن شراء بعض الكُتب التي أرى أنها مناسبة. كذلك الكتابة التاريخية بملحق ثقافة اليوم بصحيفة «الرياض»، ومشاركتي لمجموعة التاريخ والآثار عبر تطبيق «الواتس آب»، ومتابعة العديد من الزملاء المهتمين بالمعرفة الفكرية والمعرفية عبر تطبيق «تويتر»، وما ينشر في الأقسام الأدبية والمجلات الثقافية، أسهم في تشكيل نوع من الذائقة الأدبية «إن صح التعبير». * حدثنا عن أوائل الكُتب التي دخلت مكتبتك؟ * الكتاب هو أهم رافد للمكتبة، وهو كما قال المتنبي: «وخير جليس في الزمانِ كتابُ»، ومن أجمل ما قرأت قول الجاحظ عن الكتاب: «هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغْريك، والرفيق الذي لا يملُّك، إذا نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجوّد بنانك، وفخّم ألفاظك، ومنحك تعظيم العوامّ وصداقة الملوك، وعرفت به في شهر، ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر». وكان أول كتاب استقطبت مكتبتي المتواضعة ديوان سمَان الهَرْج، ط 1417ه ، شعر سعد بن جدلان الأكلُبي - رحمه الله -، ومن المقررات المدرسية التي أحتفظ بها في مكتبتي كتاب: «التوحيد، الحديث، الفقه، التجويد، للصف الخامس الابتدائي». * هل تحتفظ في مكتبتك بمخطوطات ووثائق؟ * المخطوطات القديمة والنادرة مُهمة جداً ولها طابعها الخاص، ولا شك أنه يحرص بالحصول على مصوراتها كل باحث، ومنها مخطوط ذات الفروع في بيوت عدنان وقحطان وَأسماء جبال تهامة وسكانها وجبالها.. شرح ديوان كثير عزة ج 2، مطبعة جول كربونل، الجزائر، 1920م. سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، للسويدي، طبعة بومباي 1296ه. ديوان عامر بن الطفيل، صادر بيروت 1979م . وبالنسبة للوثائق فقد جمعت ضميمة من الوثائق الوطنية من رسائل ومخاطبات أمراء الدولة السعودية الأولى حتى الدولة السعودية الثالثة لعدد من شيوخ القبائل وأعيان محافظة بيشة، ومن أهمها وثيقتان من الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - لجديّ الشيخان ناصر بن فائز المقيطيف الجهمي، وصنوه محمد - رحمهما الله - وهناك وثائق لأملاك خاصة يعود تاريخها للعام 1267ه. في الثانوية كنا نترقب حصة المكتبة للاستمتاع بالقراءة * هل تتذكر أول وآخر مقال كتبته في صحيفة «الرياض»؟ * نعم أول مقال كتبته في صحيفة «الرياض» هو «باكور الوسمي». وآخر مقال هو «قلعة بيشة معلم تاريخي مُهيب». * ماذا عن نصيب الكُتب القديمة والنَّادرة؟ * الكُتب القديمة والنادرة هي ما تستهويني وتستهوي كل باحث لندرتها وقيمتها العلمية وبخاصة كُتب الأنساب كجمهرة النسب، للكلبي، والجراثيم، لابن قُتيبة، وكُتب اللغة والأدب، كتهذيب اللغة، للأزهري، الكامل في اللغة، للمبرد، العقد الفريد، لابن عبد ربه. الأمثال، لمؤرج السدوسي، الأغاني، للأصفهاني. ولا تخلو مكتبتي الورقية أو الرقمية -ولله الحمد - منها كذلك دواوين الشعراء كديوان لقيط بن يعمر الإيادي، وديوان قيس بن الخطيم، وديوان عبدالله بن العجلان النهدي وغيرهم. * هل لديك شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة أو شبه القديمة؟ * نعم هناك بعض من الدوريات والصحف القديمة والمجلات أمثال: العرب، الحرس الوطني، الدرعية، الدارة، أطلال، الثقافية، بيادر، الفيصل، مجمع اللغة العربية، معهد المخطوطات العربية، المورد. وصفحات من جريدة أم القرى، وصوت الحجاز. * هل يوجد في مكتبتك كتب مهداة بتوقيع مؤلفيها؟ * يقول عالمنا ابن الجوزي: «إذا رأيت كتاباً لم أره فكأني وقعت على كنز». فالعلم رحم بين أهله والمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه وأعوانه والأصدقاء الباحثين والمؤلِّفين كُثر والتواصل معهم مستمر وهذا انعكس على علاقاتي الثقافية، واليوم تزخر مكتبتي المتواضعة بكنوز علمية لاسيّما من جهابذة الفكر وبهذه السانحة أجدد لهم الشكر والعرفان لكل من تفضّل عليّ بتوقيعه، ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر: الأديب محمد بن معبر، الشيخ الفاضل عبدالعزيز المفلح، أ. محمد الأكلُبي، د. راشد بن عساكر، د. فايز الحربي، أ. عبدالمحسن بن معمر، د. فهاد السهلي، أ. مسعود المسردي، أ. عبدالله السبيعي، أ. فهيد السبيعي، د. غيثان الشهري، د. حماد الخاطري، أ. محمد الحمدان ، د. عبدالعزيز الثنيان، أ. محمد بن غنام . أ. محمد الشراري.. وغيرهم. * ما أطرف المواقف التي حصلت لك أثناء البحث عن الكُتب؟ * من المواقف التي مرت بي أثناء إعداد كتابي الأخير «بيشة في الشعر العربي ج 1»، وأثناء قطع شوطًاً ليس بالسهل في مشروع الكتاب وتدوين محتواه على ملف وورد وإذ بالحاسوب يومض لي برمز الملف تالف؟! مما استدعى الأمر بالاستعانة بجميع الخبراء دون جدوى.. لذا قمت بإعادة صياغته من جديد ولكن التعب قد نُسي فور طباعة الكتاب. * ماذا تُفضل المكتبة الورقية أم الرقمية؟ * لكل واحدةٍ منها طابعها الخاص جمعاً بين العراقة والحداثة. * ما رسالتك التي توجهها لكل من يملك مكتبة خاصة؟ * المحافظة عليها أيّما محافظة، وأنصح بقراءة الدليل الإرشادي للمحافظة على المواد التاريخية» وثائق، كُتب، صحف» الصادر من دارة الملك عبدالعزيز، ومكتبة الكونغرس. * أمر لا يعجبك في عالم الكُتب والمكتبات؟ * أن تُهدي شخصاً كتاباً وهو لا يقدّر قيمة الكتاب. عزوف الكثير عن القراءة، رمي الكُتب في الطرقات، وأمام المساجد، وتحت ظلال المباني، وأن يستعير شخص منك كتاب ثم لا يُعيده حينها أردد قول الشاعر العربي المجرب: ألا يا مُستعيرَ الكُتْبِ دعني فإن إعارتي للكتب عارُ ومحبوبي من الدنيا كتابُ وهل أبصرتَ محبوبًا يُعارُ * كلمة أخيرة؟ * أشكر صحيفة «الرياض» على الاستضافة، والتي لا تألُو جهْداً في إبراز المثقفين السعوديين، والشكر موصول للأستاذ بكر هذال المشرف على هذه الصفحة الممتعة «زيارة إلى مكتبة»؛ وذلك لإحياء الثقافة ودورها الحضاري. بعض وثائق المراسلات من الملك عبدالعزيز مع أسرة آل مقيطيف - بيشة من إصدارات الضيف