هكذ ظل الأصدقاء ومنذ أربعة عقود يلوحون لي ببشاشة أرواحهم كلما التقيتهم، كانوا بذلك يشيرون دائماً إلى سيرتي الكتابية عبرها منذ أن وجدت مع أوائل الثمانينات على صفحاتها شاعراً يلثغ الحرف في صفحة «منتدى المواهب».. حتى شرفتني بأن أكون أحد كتابها الأسبوعيين منذ ما يقارب من ربع قرن.. إيه أيتها «الرياض»، ستون عاماً من الحضور والتميز، هذا ما سيقوله كل من تتبّع سير الصحف لدينا، لم تكن «الرياض» يوماً أقل من مكانتها أو مكانها، ولم تخضع عاماً أو آخر لتقلبات المواسم والإدارات، أو تعاقب المواقف.. كانت عملاً مؤسساتيّاً ثابتاً لا يحيد عن تميزه ولا تتباين مواقفه، وكنت طفلاً في مقتبل الحرف أتلمّس من سطرها الثقة قبل ما يقارب من أربعة عقود، كل عام يمرّ كانت الثقة تكبر بها وتنمو مع حجم انفتاحي على صحف أخرى كثيرة كقارئ وككاتب أو حتى شاعر يتلقّف الضوء هنا أو هناك أحياناً... عن تجربتي الخاصة معها منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً حيث حضوري الأول على صفحاتها شاعراً لم يزل ينسج قصيدته بارتباك، فتأخذ بيده إليه، يطول الحديث عني وفي كل لا يكون مبتداه إلا امتناناً وعرفاناً بفضلها عليّ حين احتوتني من هناك من أقاصي الظل وأخذت بيدي إلى شمسها المشرقة، تفاصيل صغيرة وحكايات كثر لي مع هذه الصحيفة، وأطرف ما أذكره وأتذاكره مع الأصدقاء هو ذلك الانتظار لها على طريق المطار في ينبع مع أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي.. إذ كنت أقيم هناك وكانت صحيفة «الرياض» لا تصل إلينا إلا بعد التاسعة صباحاً، لهذا اعتدت انتظارها على طريق المطار حيث سيارة الشركة التي تحملها إلينا، كنت أجوب الطريق ذهاباً وإياباً حتى ألتقي بالسيارة، وفيما اعتاد السائق هذا السلوك مني، بنيت معه علاقة صداقة بحيث اشتري منه الجريدة متى ما عثرت عليه، وأكثر ما يكون ذلك يوم الخميس لتزامنه مع نشر الملحق الثقافي. و»الرياض» كثيرة في صفحاتها ومواقفها محلياً واجتماعياً وسياسياً، استكتبت دائماً النخبة، وانتسب إليها جل إن لم يكن كل كتابنا السعوديين خلال أعوامها الستين الماضية، وسعت دائماً إلى تطوير قدرات منتسبيها فساهمت في الابتعاث أحياناً، وفرّغت للتطوير، وقامت بأدوار إعلامية رائدة سيسجلها التاريخ وستخلدها الدراسات والبحوث التي تتناول تاريخ الصحافة السعودية، أقوال كثيرة بما لا يتسع لها المجال هنا، لكنني حتماً لا يمكن أن أتجاوز موقفها الثابت من التنوير والرهان على المستقبل فيما يتعلق بملحقها الثقافي منذ البدء والمنحاز للتحديث والتنوير في زمن تعثرت فيه كثير من المنابر الثقافية عبر الصحف، وتباينت مواقفها وخسرت مستقبلها فتساقطت تباعاً، إنها صحيفة «الرياض» التي حملت باسمها مفهوم العاصمة، فعصمت ذويها من كتاب وقراء وباحثين دائماً عن النقص حتى في أشد مواسم الصحافة الورقية خريفاً..! فاصلة: صباح الرياضِ «مقالة تركي السديري» مواعيد نشر النصوص لدي يدي في يديّ.. روحي وفوضى البياض..!