حلّ علينا عام هجري جديد؛ وهلّت علينا سيول خطط ولآمال العام الجديد، غير أن أكثر ما هطل في حسابات التواصل الاجتماعي: هي حسرات وآلام ضياع فرص العام المنصرم، وكأنما الحياة أسدلت فصولها، ولم يتبق فيها ساعات وأيام! نعم من الطبيعي تدارس الماضي، ولكن ضمن سياق تحليل الأحداث واستنباط العبر، وليس لتثبيط الهمم أو تصعيب المستقبل، فالماضي تاريخٌ انتهى ولن يعود، بينما المستقبل قادمٌ مشرق، حتماً يحمل في جعبته الخير الكثير. ينقسم البشر حسب "ستيفن كوفي" في كتابه "العادات السبع للناس الأكثر فعالية" إلى نوعين، الأول -وهم الغالبية- يفكر بعقلية الندرة، بينما القسم الثاني يفكر بعقلية الوفرة، فعقلية الوفرة تؤمن أن هناك فرصاً متعددة وخيراً هائلاً يكفيان الجميع، بينما عقلية الندوة تؤمن أن تلكم الفرص والخيرات محدودتان ومن الصعب الفوز بها! لذا اعتناق العقلية الإيجابية يعزز نجاح أي رؤية وخطتها التنفيذية، خاصة وإن أمنت أنه لا يزال هناك مجال لتعلم الجديد واقتناص الفرص المتجددة، عبر استغلال الظروف المحيطة والإمكانات الحالية والمستقبلية، وتعزيزها بتقديم الخير والعون للآخرين. لا أجمل من استغلال بدايات المواسم لإعادة النظر في خططنا طويلة الأمد والقصيرة، والتفكير في تحسينها وتطويرها، ثم تعديلها بما يتلاءم والظروف المحيطة وتغيّر الإمكانات، لكن هذا لا يعني أن نحصر خطوات التغيير أو البداية في أي خطة أو مشروع بمأزق بدايات المواسم، مثل غرة العام أو بداية الشهر أو نحو ذلك، بل هي مجرد مواقيت تزيد الحماس، لكنها ليست متطلباً لأي بداية، والحقيقة أنني من أنصار أن تبدأ الآن، مهما كانت الظروف والإمكانات، كونك سوف تستطيع أن تحسن وتطور مع الوقت، كما يؤكدها كتاب "ابدأ الآن وتحسن لاحقاً" لروب مور، المهم أن تعرف من أنت؟ وماذا تريد؟ قبل أن تبدأ! من نافلة القول إن التشتّت هو أحد أهم أسباب فشل أي خطة، ولا شيء يسرّع من انهيار أي رحلة للفوز بالنجاح سوى القفز من مشروع إلى آخر، وحذاري من الاعتقاد أنك مختلف عن جميع البشر، وأنك قادر على إدارة المهام المتعددة دون أن تفقد السيطرة، فأنت كما الجميع سوف تقفز هنا وهناك، حتى تكتشف في النهاية أنك لم تنجز شيئاً! تطلع لبداية العام كفرصة إضافية تجدد كل عام، فرصة تساعدك على تجاوز عثرات الماضي، المهم أن تكون عقلانياً في تخطيطك، قادراً على تحدي نفسك والانتقال إلى مستوى أعلى، وتذكر دوماً أن الرحلة غالباً ما تكون أكثر إثارة ومتعة من وجهة الوصول. أسال المولى -عز في علاه- أن يجعله عام خير وبركة لنا ولبلادنا المباركة، وأن يوفقنا جميعاً لما نطمح ونأمل، وأن نفرح دوماً بتحقيق أهدافنا وأحلامنا.