قبل زيارة سمو ولي العهد إلى اليونان وفرنسا، قرأت عدة تصريحات لسفير فرنسا لدى المملكة لودوفيك بويّ، استوقفتني فيها إشارته العميقة إلى أن العلاقات التي تربط فرنسا بالمملكة، مبنية على الثقة، وبسبب تلك الثقة نشأت شراكات بين البلدين على جميع الصعد، وحدث توافق مشترك أيضاً على قراءة المشهد الدولي والمصالح العديدة المشتركة بين البلدين. وهو المعنى نفسه الذي أكده تقرير لموقع «فرانس24» نُشر في مستهل زيارة سمو ولي العهد إلى فرنسا، وجاء فيه أن فرنسا «لا تركض وراء إبرام عقود تجارية مع السعودية كما كان الحال في السابق بل تسعى إلى بناء شراكة متطابقة الرؤى ترتكز على التطور الاقتصادي والتكنولوجي طويل الأمد». ولا يختلف الوضع فيما يتعلق باليونان، فالعلاقات «السعودية-اليونانية» تتمتع بالثقة المتبادلة والاحترام الكبير، وهو ما يتضح من تصريحات لوزير التطوير والاستثمار اليوناني أدونيس جيورجيادس الذي قال: «تصل إلينا مشاعر دافئة من الأمير محمد بن سلمان لليونان، وهي مشاعر متبادلة لأجل حماية أعمق لعلاقات الصداقة بين البلدين والمضيّ بها قدماً نحو آفاق أرحب، إذ إن اليونان تؤمن تماماً بأهمية العلاقات الاستراتيجية مع السعودية، وتؤمن بأهمية الدور المحوري للمملكة كمفتاح للمنطقة فضلاً عن أهميتها للعالم». تلك الثقة التي بدت مظلة هائلة ممتدة على سماء العلاقات السعودية - اليونانية - الفرنسية هي المحك الذي يبحث عنه العالم الآن لعلاج جميع أزماته، فبدون ثقة متبادلة بين الطرفين لا يكون للاتفاقيات والمباحثات أي معنى أو قيمة. وهي الثقة نفسها التي تحظى بها حكومة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في الداخل، والتي أكدها استطلاع «مؤشر الثقة 2022» الصادر عن شركة إيدلمان للاستشارات والعلاقات العامة، والذي كشف عن مستويات عالية في ثقة المجتمع السعودي بالمؤسسات الأربع الرئيسة بالمملكة (الحكومة، قطاع الأعمال، المنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام). وقال 73 % ممن شملهم الاستطلاع بالسعودية إنهم متفائلون بأنهم وأسرهم سينعمون بحياة أفضل خلال الأعوام الخمسة المقبلة. كما أظهر الاستطلاع أن مؤشر الثقة في الحكومة السعودية يعد الأعلى من بين المؤسسات الأخرى. ومن منطلق تلك الثقة القوية نجحت جولة سمو ولي العهد في تعزيز العلاقات وفتح آفاق الشراكة والتعاون بين المملكة واليونان وفرنسا في جميع المجالات، والتي تشمل: السياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة والنقل والسياحة والثقافة والتقنية والخدمات المالية والدفاع والصناعات العسكرية، كما ولدت الجولة انطباعاً قوياً لدى الدولتين اليونانية والفرنسية في قدرة هذا التحالف الثلاثي على تعزيز أمن المنطقة، واستقرارها. كما عززت الجولة الأوروبية من إيمان دول أوروبا برؤية المملكة 2030 والتي قال وزير التطوير والاستثمار اليوناني إنهم في اليونان يؤمنون بأنها مفتاح الازدهار والتقدم للسعودية وللمنطقة. فضلاً عن أن التعاون بين السعودية واليونان وفرنسا، يرتكز على إرث طويل من العلاقات التاريخية المتجذرة ضمن جزء مهم من العلاقات بين الجميع تعود إلى عدة قرون مضت. أما الشيء الثاني الأكثر أهمية في تلك الجولة فهو استفادة المملكة الكبرى من الخبرات الأوروبية المطلوبة لتحقيق رؤية المملكة 2030، وإنشاء علاقة شراكة قوية يسهم فيها الأوروبيون وبجدية في نقل التكنولوجيا إلى المملكة وفي كافة المجالات الحيوية التي يقوم عليها مستقبل التطور في المملكة.