عندما تتجه الدبلوماسية السعودية التفاعلية التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى اليونان، فإن السياسة الخارجية السعودية تتحرك وفق مصالحها الاستراتيجية، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وتعبر المحيطات والبحار حاملة رسالة السلام والوسطية والتسامح والاعتدال.. في أكتوبر 2021، دشنت المملكة واليونان عهدا جديدا من الشراكة خلال زيارة رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، ولقائه بسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حيث اتفق الجانبان على إعطاء دفعة قوية للشراكة في مجالات عدة في مقدمتها الجوانب العسكرية والدفاعية والاستثمارية والسياسية.. ومن اليونان يستهل ولي العهد أول زيارة له إلى الاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد الجائحة والتي وصفتها مصادر الخارجية اليونانية ل"الرياض" بأنها زيارة مهمة تأتي وسط متغيرات وظروف إقليمية ودولية ليس آخرها حرب أوكرانيا وأزمة الطاقة مؤكدة أن التعاون العسكري وملف الطاقة في صلب جدول أعمال زيارة اليونان. وسيعقد سمو ولي العهد ورئيس الوزراء اليوناني محادثات موسعة في مقر رئاسة مجلس الوزراء بقصر مكسيم يعقبها توقيع عدة اتفاقيات بين البلدين. وأشارت مصادر في الخارجية اليونانية أن من المقرر أن يشهد ولي العهد ورئيس الوزراء اليوناني التوقيع على عدد من الاتفاقات الثنائية تتعلق بمجالات الطاقة والتعاون العسكري ومد كابل اتصالات بحري ضمن مجالات أخرى موضحة أن مباحثات الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء اليوناني، ستناقش فرص التعاون المستقبلية لفتح مجالات نوعية للتعاون الاقتصادي وتسهيل التفاعل المستمر بين قطاعي الأعمال السعودي واليوناني، وتمكين الشراكات التجارية والاستثمارية المتاحة في إطار رؤية السعودية 2030، للارتقاء بحجم التبادلات التجارية والاستثمارية بين البلدين، وبحسب مصادر اقتصادية يونانية تحدثت ل"الرياض" فإن المملكة واليونان تأملان لبناء خطط مشتركة لفرض التواجد في السوقين الأوروبية والشرق أوسطية وأبرزها خطط يونانية للتزود بالهيدرجين السعودي الذي تترقب اليونان وارداته وأن يجد طريقه للسوق الأوروبية، وعندما يزور ولي العهد اليونان فإن الأوساط اليونانية السياسية والاقتصادية ستتابع الزيارة عن كثب خصوصا أن ولي العهد سيبحث خلال الزيارة الأوضاع الإقليمية الراهنة وتناول أوجه العلاقات الثنائية، وفرص تعزيزها في مختلف المجالات، مع رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، في ظل تنامٍ متزايد للدور السعودي الخارجي، ومع مرور المملكة بأزهى عصور ازدهار سياستها الخارجية، وتحقيقها لإنجازات خارجية ملحوظة، وذلك اتساقًا مع "رؤية السعودية 2030" التي تهدف إلى تعزيز المكانة الخارجية للمملكة.. وتحرص اليونان دائما على تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع السعودية، في جميع الميادين السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والعسكرية، كما تتطابق آراء الرياض أيضا حيال قضايا وأزمات المنطقة، وضرورة إحلال السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، ولجم الإرهاب والتصدي للأعمال العدوانية للنظام الإيراني، ويأتي التقارب السعودي اليوناني ليشكل منحنى جديدًا من العلاقات الاستراتيجية، وشهدت السنة الماضية تزايد عدد الزيارات المتبادلة بين السعودية واليونان، ولعل القمة التي عقدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، مع رئيس الوزراء اليوناني "كيرياكوس ميتسوتاكيس"، والتي تناولت استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين - في فبراير الماضي - خير مثال على ذلك، وظهرت مكتسبات مهمة عن الزيارة تمثلت أبرزها في تصريحات رئيس الوزراء اليوناني التي أكد فيها أن بلاده تعمل على التعاون مع المملكة وتعوّل على السياحة في التعافي الاقتصادي من الأزمة التي تشهدها، ووقعت المملكة واليونان في مايو الماضي على البنود الرئيسة لإقامة مشروع مشترك لمد كابل البيانات الذي سيربط أوروبا بآسيا، وستقوم شركة (مينا هاب) بتطوير "ممر البيانات من الشرق إلى المتوسط" المملوك لكل من شركة الاتصالات السعودية وشركة تي.تي.إس.إيه اليونانية للاتصالات وتطبيقات الأقمار الصناعية. وقال مصدر يوناني رفيع ل"الرياض" إن اليونان حريصة على العمل مع السعودية لإحلال السلام العادل في المنطقة واجتثاث الإرهاب من جذوره، مشيرا إلى أن العلاقات بين المملكة واليونان شهدت على الصعيدين السياسي والاقتصادي زخما كبيرا، وهو ما انعكس في تبادل الزيارات بين المسؤولين في كلا البلدين، للتعرف على وجهات نظر كل طرف حيال عدد من القضايا الدولية والإقليمية، فضلا عن تعزيز العلاقات، خصوصا في مجالات فتح التحالفات الاستثمارية وفق الرؤية السعودية 2030. وتابع قائلا: «إن اليونان تعتبر السعودية شريكا وحليفا في المنطقة، يمكن الوثوق به، كما أن البلدين يمكنهما العمل لإحلال السلام في المنطقة». وتعتبر منطقة الخليج العربي بالغة الأهمية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي وتحديدا اليونان لأسباب اقتصادية وسياسية، إذ تتصدر المملكة مكانة فريدة ومميزة في العلاقات الأوروبية، وفي الوقت عينه ترى الرياض أن علاقاتها بأوروبا تستند إلى شراكة تاريخية تدعم مكانتها وشرعيتها الدولية، بما يخدم موقفها على الساحة العالمية، واتفقت الرياض واليونان على رفع مستوى وجاهزية ومهارة قواتهما العسكرية عبر التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة، والعمل على توطين التقنية والصناعات العسكرية والمساندة، وفي خطوة عملية تجسد هذا الحراك الاستراتيجي اتجهت بوصلة الدبلوماسية السعودية إلى اليونان لتدشين مرحلة جديدة من الشراكة السعودية اليونانيةً لتدخل الرياض بقوة إلى الجزيرة المتوسطية وتصبح اليونان جزءا من اهتمام المملكة التي أعادت تموضعها بذلك الجزء في العالم. وعندما يزور ولي العهد اليونان فإن ذلك يعكس حرص المملكة على إعطاء دفعة قوية لهذه الشراكة، وتحسين العلاقات بسبب موقعها الجغرافي، وسنوات من الحوار الطويل القائم مع العالم العربي، إلى جانب كون اليونان عضوا في الاتحاد الأوروبي، ومن الأهمية تعزيز التعاون الثنائي معها في مجالات السياسة والاقتصاد والطاقة والأمن والدفاع. ومن المؤكد أنه سيتبع زيارة الأمير محمد بن سلمان تقارب تفاعل سياسي اقتصادي في ملفات مشتركة، خصوصا في ملفات مشتركة في قطاع الطاقة كون المملكة لديها الرغبة في التعاون مع اليونان في القطاع ويمكن لها أن تكون شريكا فيه، وفق مصادر يونانية فإن هناك تفاعلا واهتماما كبيرا في الأوساط اليونانية بالزيارة، باعتبارها رسالة للعالم بأن المملكة مستمرة في سياستها لتعزيز دورها لتعزيز الشراكات من خلال توسيع دوائر حراكها، وتنويع أدواتها السياسية والاقتصادية في دول المحيطات والبحار، وتعكس زيارة ولي العهد الاحترام والتقدير الكبير الذي تحظى به السياسة السعودية في سعيها لتعزيز التعاون العالمي، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية في مختلف القضايا الدولية، مثل عملية السلام في الشرق الأوسط وسورية وإيران واليمن، فإن ذلك يعكس جليا أن هناك تفاهما مشتركا بين البلدين لمواجهة التحديات المشتركة. سياسياً، هناك توافق بين البلدين حيال دعم الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية استناداً إلى المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني، وضرورة تعزيز الشراكة الدولية لمكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب، وفي ظل توافر التفاهم المشترك والتعاون المتبادل فإن البلدين حريصان على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم الدوليين ووقف جميع أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للدول لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم. ولا يمكن تجاهل عضوية اليونان في الاتحاد الأوروبي، وهذه العضوية تعطي ثقلا لها، خصوصا أنها تؤمن بأن التعاون بين الاتحاد الأوروبي والسعودية أمر مهم في التصدي للتحديات المشتركة في المنطقة والاستفادة من العناصر التي تجمع الجانبين مثل الموقع الجغرافي وتاريخ العلاقة بين اليونان والعالم العربي... ولا شك أن الدوافع والأهداف هي المحرك الرئيس للسياسات الخارجية، فالعلاقات السعودية اليونانية تحركها دوافع مهمة كون المملكة تهدف إلى تنويع خارطة حلفائها في المنطقة، لذا، فإن تعزيز العلاقة مع اليونان يأتي في الإطار ذاته، خصوصًا في ظل وجود التجاذبات والاستقطابات الحادة التي تنعكس على موازين القوى في المنطقة والعالم بسبب التنافس والصراع الشديد في شرق المتوسط. وعلى الجانب الآخر، يمكننا تلخيص الموقف اليوناني في التقارب مع المملكة في رغبتها في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين نظرًا لما تتمتع به السعودية من قدرات تنافسية ومالية ونفطية كبيرة، ومن ناحية أخرى تربط اليونان بين دوافعها الاقتصادية والأمنية، فمن خلال تحالفها مع دول أخرى تعزز قدراتها الاقتصادية ستتمكن من الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والأمنية خصوصا أن اليونان تتمتع بالثروات والقوة العسكرية لمواجهة الأزمات الجيوسياسية، وعندما تضع المملكة مصالحها الاستراتيجية فوق أي اعتبار، فهي تملك دائما خيارات تمكنها من تعزيز مكانتها الدولية، مع تعزيز دبلوماسيتها الهادئة، عندما يتطلب ذلك وتقوية دبلوماسية التفاعل. إنها دبلوماسية حرق المراحل وتحقيق الإنجاز.. السعودية تتحرك في كل مكان.. شرقا وغربا.. مجسدة شراكة المصالح الاستراتيجية. ولي العهد ورئيس الوزراء اليوناني في استقبال سابق