عميقاً تنفست وأنا أمسك بخيوطه الأولى، أداعب الورق، أنصت لرنين السطور، وبين البياض والسواد رحلة تأمل لا تنقطع إلا ببداية القراءة، فالافتتان بنص معين بداية جميلة للدخول في مغامرة العبور إلى العمق، حيث لا يمكن للقلب إلا أن يستعد لابتلاع كل الصور المقترحة، وللعقل أن يستوعب ما وراء الحروف والكلمات، أن تفتن بنص قبل أن تبدأ في الاقتراب من ضفافه، أن يمارس عليك غوايته من اللحظة الأولى، هو تأكيد لرسم نهاية سعيدة مع من اخترت أن تصاحبه لأيام طويلة، هو تأكيد لنجاح خطوة القراءة التي استيقظت فيها كل الحواس للمساهمة في إنجاح العملية المحفوفة بالمخاطر، فتجد نفسك تلمس الأوراق في شغف، تشم رائحة الكلمات، تنصت لضجيج الأفكار المنبعثة منه كسراج منير، تبصر ببصيرة المحب التي تخترق الحواجز التي ينصبها الكاتب لحماية ممتلكاته الفكرية، فتتذوق بنهم ما كان ليصلك لولا تلك الفتنة التي جذبتك لهذا النص عبق الاجتياح. لا يمكن أن تدخل مغامرة القراءة إلا بعد مكابدة الشوق المنبعث من عتباته الرئيسية، سلطة العنوان تأخذك في رحلة بحث سريعة إلى جسد النص، لتلغي كل الخيوط التي تربطك بعوالم محيطة بك، فالاجتياح يتطلب قوة المحب وصبر العاشق الملتهب، فأبواب النص لا يمكن أن تفتح للمتعدي الجاهل ولا لعابر سبيل، فمفاتيحه عصية على من لا يملك شفراتها السحرية، صعبة على غير المتمرسين. أبواب لا تفتح إلا للمعلقة قلوبهم بعبق الكلمات، المجروحة أعماقهم بسهام النص المنفرد الذي يستحق مكابدة القراءة ورحلة المكاشفة طمعا في الوصول إلى المنتهى. عبير المصاحبة بين الانجذاب إلى عمق النص وبين ممارسة فك كل الخيوط، وإزاحة جميع العثرات التي يمكن أن تعسر طريق المصاحبة، التي تجعلك في مأمن من هروب الأفكار، و تتيح لك فتح كل الأدراج للقبض على ما وراء الكلمات، لملامسة كل الخبايا والاطلاع على كل الأماكن الخفية، بل الوصول إلى عتبات النهاية حيث يقف العاشقون منبهرين بحقائق لا يمكن أن تدركها إلا بالمكاشفة ورفع الحجاب لتستحق الدخول الرحيم لمشاعر وأشواق بكثافة السحب في ليلة ممطرة. انصهار سعيد وصولك للقمة المنشودة، هو عبور للنص وزواج سعيد بينك وبينه، وانصهار كلي تلغي فيه كل الحواجز وولادة جديدة لنص جديد يتكون بقراءتك وفهمك ورؤيتك، نص ينتج عن لذة لا ينتشي بها إلا العارفون السالكون لدروب القراءة العاشقة * كاتبة مغربية