سنوات مضت وأنا أتابع المشهد الثقافي الذي منه أقتني الكثير مما يروقني ويشدني نحو القراءة، أطوف بالمكتبات أينما حللت وكأن لدي عقداً سرياً معها، يسرق مني كل الوقت المخصص لزيارة المدينة في تقليب الكتب وقراءة بعض السطور بشغف، إحساس جميل ينتابني وأنا أكتشف واجهة كتاب أنيق طالما بحثت عنه، ألتقطه في لهفة العاشق الولهان، لأنفرد به في لقاء حميمي مع فنجان قهوة، تلك كانت هوايتي ومتعتي التي كانت مركبي إلى ضفاف الكتابة ونهر الانجذاب إلى عمق الأشياء. علمتني القراءة الصبر الطويل لعبور كل الممنوعات التي توقف البوح، وعلمتني أيضاً المصاحبة المولدة لسر الكلمات والكاشفة لعمق الأشياء، كنت أقرأ لأكتب، أرتشف السطور في نهم لأتمكن من الكتابة ومن لمس أراضيها الوعرة، جبال وتلال وسهول لن تتمكن من عبورها إلا إذا كنت محملاً بالكثير من المؤن والذخائر، فالسفر في سماء الكتابة رحلة محفوفة بالمخاطر ومحاطة بالكثير من الأسلاك الشائكة التي لا تفتح إلا للعارف والمطلع. ووسط الطريق كان الدخول فرحاً مؤجلاً، إلى حين الوصول إلى ظلال الكلمات المنبعثة من قلب تصور دقيق، أو تحليل لشطحات منتصف النهار، اختراق البوابات الإنسانية واستباق الزمن بكتابة الأنا - الآخر، وتعميق الهوة بين الحبر والدم، ليتداخلا فتصبح الكتابة دامية عابرة لكل الضفاف، نص مجهول النهايات، مفتوح على كل التأويلات، نص مجدد، خالق لكل الارتباكات التي يمكن أن يشعر بها القارئ العادي وبالتالي ولادة نص لقارئ جديد له من الوعي الكثير، ومن الزاد أيضاً، لأن النص الذي يولد من رحم المعاناة، لا يكتب إلا لقارئ غير عادي، قارئ يبحث عن المتعة قبل الاستفادة الفكرية، لأن القراءة لعبة الباحثين عن بناء علاقة الروح بالنص، بل والمنجذبين إلى قلب المعنى الحقيقي للكلمات في اقتفاء النهايات. لحظة الوصول إلى وهج النص، تلك اللحظة أشعر خلالها بالتوحد مع النص، أستبشر خيراً لأن ما كتب بعمق يخترق الأجساد والعقول ليغتسل الجميع في نهر الحقيقة. * كاتبة مغربية