قال تعالى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج 27). ظل هذا النداء الرباني العظيم موحياً برحلة موغلة في أعماق التاريخ، رحلةٌ يسرح فيها الخيال الإنساني بما لا تقوى عليه مخيلة البشر؛ إنه النداء الذي أطلقه الخليل إبراهيم، عليه السلام، حين أعاد بناء بيت الله مع ابنه النبي اسماعيل، نداء مازال منذ الأزل يدَّوي في جنبات الأرض ليؤذن في الناس بالرحيل إلى أول بيت وضعه الله لهم ليكون رمزاً للأمن والأمان على الأرض. إنه إرث عظيم تعين على المملكة العربية السعودية في الأزمنة الحديثة أن تحتويه بكل فخر؛ فأن تعنى المملكة بمثل هذه المهمة التي تتعلق بمجد عريق وتاريخ سحيق للأديان التوحيدية؛ فذلك شرف لا يدانيه شرف ومهمة تعكس المنزلة التي اختصت بها المملكة من بين سائر دول العالم. واليوم، فيما تطور المملكة كافة المنظومات التقنية في تنظيم وإدارة موسم الحج وتسخرها من أجل ضمان جودة مهنية عالية الخدمة في هذه المهمة العظيمة، تظل باستمرار تدفع الغالي والنفيس من معطياتها لتأمين هذه الغاية؛ توفير الأمان والراحة لزوار الحرمين الشريفين. ومنذ تولت المملكة شرف خدمة ضيوف الرحمن في العصر الحديث - مع بداية التأسيس الثالث للمملكة على يد المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود- تعيَّن عليها أن تضطلع بمهمة من أكثر المهمات تعقيداً في إدارة الحشود، وتدبير السلامة من الأزمات الطارئة، لتَّجمع من أكثر التجمعات في العالم من حيث اختلاف أعراقهم، وأعمارهم، وألوانهم، وألسنتهم، وكذلك اختلاف ثقافاتهم، ومستوى وعيهم، يتدفقون بمئات الآلاف في مكان واحد لأداء مناسك الحج العريقة؛ حشود بهذا الغنى من التعدد والاختلاف يقتضي التعامل معها؛ تراكماً للخبرات الضرورية في متطلبات توفير الأمان والراحة لهم حتى يتمكن هؤلاء الضيوف من أداء شعائرهم بيسر وسهولة، وفي جو من الطمأنينة. ولأجل نيل هذا الشرف العظيم الذي حباه الله لهذه الدولة المباركة لخدمة المسلمين في كافة اصقاع الأرض؛ لهذا يحتفي المسؤولون في حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بالسهر والتعب على راحة ضيوف الرحمن، بما يقتضيه ذلك من بذل الجهود والأموال لتحقيق سلامتهم، لأن رأس الأولويات في هذه البلاد هي خدمة ضيوف الرحمن التي ظلت تضعها قيادة هذه البلاد نصب أعينها. ولعل أبرز مثال حديث للنجاحات المتطورة والسباقة على مستوى العالم تمثلت في التدابير والآليات والنظم المتعددة التي سخرتها المملكة في مواجهة جائحة كورونا من أجل سلامة ضيوف الرحمن، فكانت هناك استجابة فائقة السرعة في تنفيذ مهمات التعامل مع تلك الجائحة، حيث ابتدعت المملكة منظومات حددت بها أعداد الحجاج وقصرتها على فئات معينة قادرة على القيام بالمناسك، فحققت نجاحاً خلال السنتين الماضيتين عكست طبيعة استجابتها لذلك التحدي الخطير الذي فرضته جائحة كورونا على العالم. لقد كانت جائحة كورونا اختباراً قاسياً لكل نشاط بشري يقوم على إدارة الحشود، لكن المملكة نجحت بفضل الله فسارت أيام الحج بهدوء وسلاسة، ومعها أدى ضيوف الرحمن شعائرهم براحة وسكينة، فلم تسجل إصابات أو عدوى مرضية نتيجة لهذه الجائحة التي عمت أركان الأرض. وفي هذا العام، وبعد أن تجاوزنا -بحمد الله- أخطار جائحة كورونا، عادت قيادة المملكة لاستقبال ضيوف الرحمن من مختلف أنحاء العالم بالحب والترحاب والتنظيم المميز كعادتها دائما مما يجعلهم يتفرغون لأداء مناسكهم بيسر، وسهولة، وأمن وأمان. معالجة القصور حركة الحجيج في الموسم تتطلب إنجاز مهام معقدة في عمليات إدارة الحشود التي تفوقت فيها المملكة بابتكار راكمته خبرات طويلة ومهارات متعددة. ذلك أن الاختلاف الذي تنطوي عليه فئات الحجيج من تعدد في الأعمار والألسن والنوع والجنسيات يجعل من حركتهم في وقت واحد بالمشاعر المقدسة اختباراً وتحدياً لكل ما وفرته ونجحت قيادة المملكة في انجازه. فلا شك أن موسم الحج، ومع كثرة الحجاج في تعاملهم مع مناسك تنطلق من الطواف والسعي فالمشعر الحرام ذهابا إلى عرفات في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، والعودة بعدها إلى منى في يوم الحج الأكبر لينحروا هديهم ويباشرون رمي الجمرات في أيام التشريق. هذا التفاوت بين الحجاج في الوعي والفهم والمعرفة يستلزم من الجهات المسؤولة أن تضع القواعد والتعليمات حفاظاً على سلامتهم وأمنهم. وفيما تستمر رحلة الحج التي تبدأ من مختلف بلدانهم؛ يمني الحجيج أنفسهم بقضاء تلك الفريضة العظيمة فتهفوا أشواقهم أثناء الرحلة بالأمنيات الجميلة والاحاسيس الدينية بقيمة المعنى الروحي للرحلة، ولعل أهم ما يشغلهم؛ إدراكهم للمشقة التي تنطوي عليها رحلة الحج. فالحج بذاته مشقة يحبها الله من عباده، وهي مشقة يعشقها ضيوف الرحمن لأنها دليل الطريق إلى بيته العتيق. فرحلة الحج القصيرة تجربة روحية عظيمة وطقس إسلامي عريق؛ لذلك يدرك مسؤولون حكومة خادم الحرمين الشريفين ما تعنيه خدمة ضيوف الرحمن من احتفاء وعناية وتصديق لأمنيات الحجيج برحلة حج آمنة مريحة؛ فيسهر المسؤولون على تلبية متطلبات تقديم وسائل الراحة والأمن والعناية لهم، وبحيث لا يتصل ذلك فقط بأداء تلك الخدمات المادية لضيوف الرحمن على الوجه الأكمل، من خدمات صحية أو اتصالية، أو إدارة الحشود، أو معالجة المشكلات الطارئة أثناء هذه الرحلة المقدسة؛ بل كذلك تقتضي من المسؤولين تقديم خدمات ملائمة للأجواء الروحية التي يعيشها الحجيج، عبر قدرات خاصة في العناصر البشرية المدربة التي توفرها المملكة العربية السعودية للحجيج سواءً في قطاع القوات الأمنية أو قطاع التنظيمات الكشفية أو عبر جهود الجمعيات الطوعية التي تحتسب في العمل على خدمة ضيوف الرحمن. وعلى صعيد آخر، بعد تقديم كافة تلك الجهود العظيمة مادياً ومعنوياً أثناء قضاء رحلة الحج، تقدم المملكة خدمات نهاية موسم الحج، فتبدأ اللجان والجهات المسؤولة عن الحج سواء في وزارة الحج والعمرة، أو اللجنة العليا للحج، أو معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة أو غيرها من الجهات ذات العلاقة بدراسة وتقويم الأداء في المشاعر، وتدوين الملاحظات، ومعالجة أي جوانب قصور أو مشكلات قد تكون حدثت لتلافيها في مواسم الحج القادمة بالحلول المناسبة التي تكفل الراحة والسلامة والأمن لضيوف الرحمن. وقد رأينا في هذا الموسم على سبيل المثال اهتماما متزايداً بالاستفادة من التقنية في استقبال الحجاج في مواقعهم، وتيسير وصولهم إلى الأماكن المقدسة، كما رأينا تطبيقات الكترونية جديدة تساعد الحاج على أداء مناسكه باللغة التي يتكلمها بما يتوافق مع التعليمات الشرعية المحددة، كما اهتمت بالجانب الصحي للحاج حتى مع انحسار جائحة كورونا، إلا أن صحته وسلامته ليتمكن من أداء المناسك هي مسؤولية كبرى حرصت عليها الجهات الصحية في المملكة. حركة الحجيج مهما بدت مثاليةً ومنظمة فلا تخلو مثل هذه الأعداد الضخمة التي تتجمع في مكان واحد أن يحدث التدافع بينهم في بعض الأحيان، أو يحدث إهمال من بعض الحجاج خاصة ممن يفتقدون إلى المهارات اللغوية، أو لكونهم غادروا بلادهم لأول مرة، أو نتيجة لإهمال تعليمات الأجهزة التنظيمية في الحج وخاصة الدفاع المدني الذي يدعو دائماً إلى عدم استخدام الغاز أو استخدام النار في المخيمات حرصاً على سلامة الحاج مما قد يؤدي – لا سمح الله-إلى حدوث حرائق تتسبب في كوارث مؤلمة. حوادث مؤسفة قبل أكثر من عقدين وعلى فترات متباعدة، قبلهما، شهدت المشاعر المقدسة حوادث مؤسفة، كالحرائق التي كانت تنشب في تلك الأيام من بعض الأخطاء غير المقصودة. كانت الحوادث مؤسفة، فيما عكست المشاهد التي راح ضحية الأخطاء فيها بعض الحجاج ذكرى أليمة لكل الذين شهدوا مواسم الحج في تلك السنين. فمنظر الخيام المحترقة وأكوام الضحايا الذين احترقت أجسادهم نتيجة لخطأ غير مقصود، والفوضى التي كانت تعم المشاعر المقدسة إثر حدوث حادث كهذا والذعر الذي ينتشر بين الناس كل تلك المشاهد اليوم أصبحت جزءاً من الماضي ولله الحمد. فمنذ عام 1395ه خلال تلك الحادثة التي توفي على إثرها 200 حاجاً إثر حريق ضخم بسبب انفجار اسطوانة غاز في مشعر منى، إلى عام 1410ه حين حدثت كارثة أخرى أدت إلى مقتل 1426 حاجاً اختناقاً في أحد أنفاق مشعر منى، من أثر تداع أعداد الحجيج الكبيرة ما تسببت في اختناق عدد منهم، مروراً بالعام 1414ه الذي مات فيه 270 حاجاً حين تدافع الحجاج عند رمي الجمرات، وصولاً إلى حريق منى الشهير في حج عام 1417 وأدى إلى وفيات كثيرة! وهكذا؛ فيما تمر ذكريات ذلك الأمس المرير عبر الحوادث ومعاناة الحجيج وأحزانهم، نجد أن تلك المآسي هي التي دفعت القيادة السعودية إلى التفكير في حلول ناجعة لتلافي حدوثها إلى الأبد وخاصة منها ما يتعلق بالحرائق. ظل المسؤولون في المملكة العربية السعودية يطورون ويبتكرون خططاً ومنهجيات وآليات للحد من تلك هذه الكوارث المؤلمة. فمن الطبيعي أن تحدث هكذا كوارث في أماكن محدودة، ووسط تجمعات ضخمة فاستقرت نتائج البحث عن ضرورة التخلص من الخيام التقليدية والانتقال إلى الخيام المطورة المجهزة ضد الحرائق لمقاومة أي عناصر مفاجئة قد تحدث لضيوف الرحمن، وأسواها الحرائق التي حدثت في سنوات سابقة. وكان هذا الانتقال تطوراً جذرياً حيث أن الخيام المطورة المصنعة من الأنسجة الزجاجية المغطاة بالتفلون غير القابلة للاشتعال ولا تتصاعد منها أبخرة سامة أو مؤذية، هو المعالجة الفعالة وتم تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل انتهت في عام 1420 بعد دراسات مكثفة من قبل المختصين والخبراء في الحد من الحرائق. شواهد حية تنفيذ مشروع الخيام المطورة في منى الذي يعد واحداً من أكبر المشروعات التي نفذتها قيادة المملكة في المشاعر المقدسة لخدمة وراحة حجاج بيت الله الحرام، كان وفق أعلى معايير الأمن والسلامة، وعكس عناية فائقة بالأمن والسلامة فالخيام مزودة بالتكييف، وتتمتع بمقاومة مميزة للعوامل المناخية، لذلك أسهمت كل هذه الجوانب في الحد من مشكلات الحرائق حتى تم تلافيها تماماً بحمد الله. تعمل تقنية الخيام المطورة بطريقة صممت وفق نموذج نمطي 8 في 8 مع تجميع كل ثماني خيام في شكل مجموعة نمطية؛ ليكون ملائما للطابع الإسلامي ومماثلا للشكل التقليدي، وهي مصنوعة من الأنسجة الزجاجية المغطاة بمادة "التفلون" المقاومة للحرارة العالية والاشتعال، والتي ينعدم منها انبعاث الغازات السامة، حيث تستخدم في هذه الخيام أفضل التقنيات الحديثة في مراحل التصنيع والتنفيذ، وترتبط ببعضها البعض بواسطة ممرات، وتحاط كل مجموعة خيام بأسوار معدنية تضم أبوابا رئيسة وأبواباً أخرى للطوارئ، مع وجود مخارج مياه لإطفاء الحريق على جوانب ومسار كل الطرق والشوارع. بحيث يتم تجهيز كل 90 مترا بخراطيم بطول 120 مترا مما يسهل لرجال الإطفاء مهمتهم ويعفيهم من استعمال سيارات الأطفاء والأجهزة التابعة، فيما يشمل المشروع شبكة للتكييف وخراطيم للمياه داخل المخيمات، وصناديق يحتوي كل منها على خرطوم بطول 30 مترًا، إضافة إلى طفايات للحريق موزعة بالممرات داخل المخيم بمعدل صندوق لكل 100 متر طولي للاستخدام عند الحاجة حتى وصول الدفاع المدني. كذلك تمت إقامة شبكة إطفاء ذاتي بالرشاشات ذات الحساسية الحرارية داخل كل خيمة، مع توفير طفايات حريق يدوية داخل الخيام. ولم يغب عن الحسبان ما قد ينتج عن العواصف الممطرة حيث صممت الخيام بحيث لا تتسرب مياه الأمطار إلى داخلها على أن تستخدم الممرات فيما بين الخيام لتجميع المياه ودفعها للطرق أو الشوارع المجاورة، كما تم إنشاء مشروع لتصريف السيول في منطقة منى، إضافة إلى إنشاء أكثر من 60 ألف قاعدة خرسانية لتثبيت الخيام المطورة لتكون مقاومة لأعتى العواصف. هذه المشاريع العملاقة وفرت حماية قياسية لأمن وراحة ضيوف الرحمن وهي جهود سهرت عليها حكومة خادم الحرمين الشريفين بصورة متواصلة. ذلك أن مشروع الخيام المطورة الذي بلغت تكلفته إلى أكثر من 206 مليارات ريال، يعتبر جهدا استثنائياً عملاقاً من أجل توفير أسس متينة متوافقة مع شروط الأمن والسلامة الملائمة للمحيط العام وبما يكفي من الصلابة في تلك الخيام لمقاومة العوامل المناخية، وملاءمتها من حيث الشكل للطابع الإسلامي، حيث تتميز بمرونة أجزائها للتشكيل والتركيب، وتتوفر فيها دورات المياه وأماكن الوضوء بشكل انسيابي وسط المخيم يسهل الوصول إليه من الجميع. إلى جانب ذلك توفرت تجهيزات توزيع الطاقة الكهربائية والمطابخ، ومكبات للنفايات، وزوّدت كل خيمة برشاشات للمياه تعمل بشكل تلقائي بمجرد استشعارها للحرارة، وبمجرد انبعاث المياه من هذه الرشاشات يتم صدور صوت جهاز الإنذار في خيمة المطوف، للتنبيه إلى الخطر حيث تتوفر خزانات خاصة لمياه الحريق على شكل أنفاق بأعلى الجبال بمنى بسعة "200" ألف متر مكعب تغذي شبكة إطفاء الحريق بأقطار مناسبة مع ما يلزمها من محابس وقطع. وبلغ إجمالي طول هذه الشبكة 100كيلو متر من المواسير، بأقطار تتراوح ما بين 250 مليمترا و700 مليمتر، تضم 800 محبس و740 فوهة للحريق. ويتخلل المخيم ممرات تم رصفها وإنارتها وتزويدها بعلامات إرشادية، مع الأخذ بعين الاعتبار مرونة أجزائها للتشكيل والتركيب. وإلى جانب الخيام النمطية 8 في 8 أمتار، تم استخدام خيام أخرى بمقاسات تتراوح ما بين 6 في 8 و 12 في 8 أمتار، تمتد الخيام على مساحة 2,500,000 متر مربع، وتستوعب أكثر من 2,600,000 حاج وحاجة في وقت واحد مما يجعل من مشعر منى أكبر مدينة خيام مؤقتة في العالم. وما هذه المشروعات المتتالية إلا شواهد حية على رغبة المملكة في اختصار الكثير من الجهد والعناء والتعب لجميع قاصدي بيت الله والمشاعر المقدسة، ففي كل عام نرى الجديد والمبتكر الذي تقدمه قيادة المملكة لخدمة الإسلام والمسلمين، ويأتي في طليعة ذلك على الإطلاق؛ العناية بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة لتيسير أمور الحجاج والمعتمرين الذين يأتون من كل فج عميق وتتزايد أعدادهم عاما بعد آخر. شاهد حدث وموقف مسؤول يروي مدير مركز العمليات بالدفاع المدني سابقاً اللواء محمد القرني، كما لو أن الذكرى تمر بعينيه الآن، كيفية التعامل الحكيم لوزير الداخلية الأمير آنذاك نايف بن عبدالعزيز – رحمه الله-مع الحادثة حريق منى عام 1997م؛ يقول اللواء محمد القرني "قمت بإبلاغ الأمير نايف عن حريق يوم التروية في الثامن من شهر ذي الحجة في ذلك العام، الذي تسبب في احتراق نحو 76 ألف خيمة فقال لي بالحرف الواحد (لن أسألكم عن الحريق ولا كيف تعاملتم معه، ولكن أسألكم كيف تعيدون مشعر منى إلى وضعه الطبيعي وتهيئونه مرة أخرى لاستقبال الحجاج بعد خروجهم من مزدلفة باتجاه منى). ويستطرد اللواء القرني قائلاً: "كان الأمير نايف، رحمه الله، ذا حساسية عالية وحرص كبير ظل يسهر عليه بنفسه وبكل ما أوتي من طاقة، لذلك بادر من فوره بالاتصال بأخيه وزير الدفاع الأمير سلطان بن عبدالعزيز، -رحمه الله-، طالبا منه دعم الدفاع المدني بطائرات الدفاع للمشاركة في إخماد الحريق بأسرع وقت ممكن، وسرعة استبدال الخيام المحترقة بخيام جديدة. وهذا ما حدث فعلا، حيث قامت قوات أمن الحج ورجال القوات المسلحة والحرس الوطني في تهيئة مشعر منى خلال أقل من 36 ساعة لاستقبال ضيوف الرحمن القادمين من مزدلفة ليقضوا يوم النحر وأيام التشريق في منى في المخيمات بشكل انسيابي سلس بعد أن تمت إزالة آثار الحريق بالكامل. ويختم اللواء القرني قائلاً "استقبلنا الأمير نايف عقب ذلك، وشكرنا على ما قمنا به من عمل بطولي وهو يقول لنا: أنتم الأبطال... أنتم الأبطال. أنتم الأبطال". ولقد كان هذا التصرف من وزير الداخلية الأمير نايف -رحمه الله- موقفاً مسؤولاً وتصرفاً عبر عنه كل فرد مسؤول في قيادة المملكة يظل همه الأول: راحة ضيوف الرحمن وأدائهم شعائرهم بكل أمان. 1