واجهت العلاقات الخليجية - الأميركية خلال إدارة الرئيس جو بايدن سلسلة تحدّيات غير مسبوقة منذ تأسيسها قبل ثمانية عقود، لكن هذه الإدارة أدركت أخيراً أن منطقة الخليج لا تزال مهمة للولايات المتحدة، خصوصاً بعد أن أحدثت الحرب الروسية - الأوكرانية، تحوّلاً هائلاً في الحسابات الجيوسياسية الأميركية. المشكلة الرئيسة لدول الخليج العربية مع واشنطن، لا تقتصر على المواقف من روسيا فقط، بل تتعلق بشكوك متزايدة حول مستقبل الالتزام الأميركي التاريخي بأمن المنطقة، ولهذه الشكوك ما يبررها، إذ رفعت إدارة بايدن الحوثيين عن قائمة الإرهاب، وأوقفت الدعم عن التحالف العربي لإعادة الشرعية، وتجاهلت مصالح الخليجيين عند الانخراط في مفاوضات مع إيران لإعادة إحياء الاتفاق النووي، كما تعمل واشنطن في الخفاء أكثر مما تعمل في العلن، أي تتعامل مع الشيء وضده، ما يخلق بيئة سياسية غير مستقرة. لا شك في أن إدارة الرئيس بايدن أدركت أخيراً خطأ سياساتها تجاه المنطقة، وقد تسعى لتصحيح المسار، خصوصاً أنها تتحمل كامل المسؤولية عن تراجع العلاقات الخليجية - الأميركية، إذ أبدت تجاهلاً لم يكن مألوفاً في تاريخ العلاقات، الأمر الذي شكّل دافعاً قوياً لدول الخليج الحليفة للبحث عن بدائل في سياساتها الخارجية كتحوّط إستراتيجي.. ورغم حرصها على تنويع خياراتها، فإنها لا تزال مهتمة بالشراكة التقليدية مع الولاياتالمتحدة. لذلك، تحتاج إدارة الرئيس بايدن إلى إظهار أن عودة اهتمامها بدول الخليج ليست ظرفية، فرضتها الحاجة للنفط، بل تُظهر فعلاً وليس قولاً أنها لا تزال متمسكة بأمن الخليج، وأن لدى الخليجيين حاجات ملحة يجب أخذها بعين الاعتبار، أهمها مراعاة المصالح الأمنية بما يضمن معالجة التهديدات التي تُشكلها جماعة الحوثي على أمن المنطقة، وإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران لا يُمكن أن تصنع استقراراً إقليمياً طويل الأمد من دون فرض شروط على طهران لوقف أنشطتها المزعزعة للاستقرار الإقليمي، إضافة إلى ضرورة التعامل مع الدول الخليجية كحلفاء مهمين للمصالح الأميركية، بصرف النظر عن مسألة النفط، لأن الحقيقة التي يُدركها الخليجيون والأميركيون على حدٍّ سواء أنهما لا يزالان بحاجة لبعضهما، ولا بدّ من رسم إستراتيجية واضحة تُبرز أهمية هذه العلاقات والمحافظة عليها على المدى البعيد.