تحرص المملكة ومصر ليس لإيصال علاقاتهما إلى مصاف الشراكة الاستراتيجية فحسب، بل تطويرها كذلك كي تكون الحصن الأمني العربي لمنع اختراق الجسد العربي وترتيب البيت من الداخل، فضلاً عن مواجهة التهديدات والتدخلات الإقليمية ولجم الإرهاب وإيجاد حلول عادلة لقضايا الأمة العربية وفق المرجعيات المعترف بها والشرعية الدولية. وعندما يزور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مصر، وهي المحطة الأولى له في جولة تتضمن الأردن وتركيا، فإن الدبلوماسية التفاعلية السعودية ترغب في تعزيز الحوار الاستراتيجي مع مصر التي تعتبر العمق العربي الاستراتيجي للمملكة. وعندما يلتقي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فإن مخرجات هذا اللقاء المهم في هذا التوقيت الأهم التي تمر بها المنطقة، لا تنتظرها الدول العربية فحسب بل المجتمع الدولي أيضاً، كون الرياضوالقاهرة تمثلان ثقلاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وتلعبان دوراً استراتيجياً في منع التدخلات في الشؤون الداخلية العربية والخليجية، فضلاً عن كونهما بوابة الصمود أمام التهديدات الخارجية. وتقدر السعودية القوة العسكرية الكبيرة لمصر، التي تساعد على حماية جزء من مياه البحر الأحمر الاستراتيجية ذات الاهتمام المشترك، كما أن مصر تنظر إلى المملكة كشريك استراتيجي في المنطقة. وشهدت العلاقات المصرية - السعودية تجدّداً واضحاً وإيجابياً على الدوام، كون العلاقات راسخة وثابتة لا تتزعزع، وهذا يعود للإرادة السياسية لقيادة البلدين من خلال عاملي الثقة والسياسات المشتركة، والتي تعتبر المحفّز الجوهري خلف تجدّد العلاقات. ويشترك البلدان في مواجهة الإرهاب، وإيجاد حلول عادلة للقضية الفلسطينية وقضايا الأمة العربية، وتعزيز العمل العربي المشترك، كون هذه الشراكة مبنية على إرث عالٍ من التوافق والاحترام المتبادل والمصالح السياسية الموحدة والمصير المشترك، وتنظر الرياض إلى القاهرة على أنها عامل من عوامل التوازن العربي في المنطقة وقريبة جداً لدول الخليج. وأكد مراقبون مصريون ل"الرياض" أن زيارة سمو ولي العهد ستدشن عهداً جديداً ومهماً للشراكة، وستحقق خطوات أكثر أهمية في سبيل جمع الشمل العربي، وأولى هذه الخطوات الشراكة الإستراتيجية بين الدولتين الكبريين مصر والسعودية، لأنها تقوم على أسس وتخطيط سليمين، وفق خطط مدروسة ومصالح وثقة مشتركة، كون عنصر الثقة مهم في إعادة الشمل العربي، وأن يشعر كل طرف أن ما يحققه شقيقه يصب في صالحه، ويقوي من مكانته، ويعزز فرصه في التقدم، بينما التشكيك وفقدان الثقة يدفعان إلى محاولات التخريب، أو عدم الحماس لأي عمل جماعي حتى لو كان يحقق مصلحة مشتركة، وهنا يأتي دور الدولتين الكبريين والأكثر تأثيراً ومصداقية لتؤديا هذا الدور التاريخي في جمع الشمل العربي، من خلال مشروعات أوسع، وعلاقة تآخٍ تقوم على الثقة، وتأخذ في اعتبارها مصالح الجميع. ويتوقع الخبراء أن تتمخض الزيارة معيدة لم الشمل وتعزيز المصالح المشتركة العربية التي تحقق النماء لكل شعوب المنطقة، كون الزيارة تأتي في توقيت بالغ الأهمية وقبيل زيارة الرئيس الأميركي بايدن للمملكة والمنطقة، والتي تشهد الكثير من الأحداث والأزمات الإقليمية والدولية، وتحتاج إلى تبادل وجهات النظر وتوحيد المواقف حيال تلك الأحداث. وعادة ما تتسم اللقاءات عالية المستوى بروح الأخوة والمودة والصراحة، وتناول معظم القضايا التي تهم المنطقة، من العراق إلى اليمن وسورية ولبنان والسودان وليبيا، وبالطبع ستكون القضية الفلسطينية على رأس المناقشات، وكذلك قضية سد النهضة بحسب مصادر في الرئاسة المصرية تحدثت ل"الرياض"، مؤكدة أن الشراكة الاستراتيجية والمصير المشترك هو ديدن هذه العلاقات، فالدولتان هما العمود في المنطقة، وعندما يتم تحقيق التعاون الإستراتيجي بينهما سيكون ذلك ركيزة لتجمع عربي أوسع، ونموذجاً جاهزاً للتقدم والتطوير، لنصل إلى ما نصبو إليه بتوحيد الكلمة العربية، والمواقف الموحدة للأمن القومي العربي، وهي خطوة كبيرة ومهمة في تعزير عوامل القوة الاستراتيجية والقدرة على التأثير في الأحداث الإقليمية والدولية، ما يجعل القوى العالمية تراعي المصالح العربية، كون البلدين لا يقبلان أي شروط أو ضغوط من جهات خارجية قد تتعارض مع مصالحها وتوجهاتها العربية الأصيلة. المملكة ومصر، إنها شراكة "العضيد والشقيق"، كونها حققت اختراقات إيجابية في مسار إرساء دعائم العلاقات الثنائية، وهي تستقي قوتها ومتانتها من الرغبة الحقيقية والأكيدة للقيادتين والشعبين الشقيقين في بناء شراكة إستراتيجية تكاملية طويلة المدى، باعتبار أن أمن السعودية هو أمن مصر والعكس صحيح، والبلدان يمثلان عمقاً إستراتيجياً لبعضهما وكذلك للأمتين العربية والإسلامية، لأنهما ركيزتان أساسيتان في إرساء الأمن والسلام في المنطقة، وخط الدفاع الأول للمنظومة الأمنية الخليجية والعربية، والرادع للتمدد الإيراني الطائفي، والمدافع عن حقوق الأمة الإسلامية في المحافل الدولية.