حملت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز التاريخية إلى القاهرة الجمعة الماضية، دلالات سياسية هامة في مضمونها الاستراتيجي وعنوانها المستقبلي والذي يصب في التأكيد على متانة الشراكة الاستراتيجية بين المملكة ومصر، هذه الشراكة التي تعتبر الترمومتر الحقيقي لتحصين الجبهة الأمنية الداخلية للأمة العربية والقادرة بإذن الله على تجاوز الأزمات بثبات، ودرء الفتنة الطائفية التي أطلت برأسها من سوريا وتغلغلت في العراق، والحرص على إحلال السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط. وليس هناك شك أن زيارة الملك عبدالله عكست حميمية العلاقات التاريخية بين الشعبين السعودي والمصري والتي تصب في تعزيز نهر مصالح الأمة العربية، خاصة أن البلدين يتمتعان بقدرة كبيرة في التأثير بالمحافل الدولية والإقليمية لثقلهما السياسي، خاصة أن السفينة المصرية استقرت على الجودي وأصبح لها رئيس ديمقراطي شرعي منتخب من جميع أفراد الشعب المصري، وهو الأمر الذي يعطي دفعة قوية للأمام لتجاوز الفترات الصعبة التي مرت بها خلال السنوات الماضية. لقد أثبت خادم الحرمين الشريفين الذي كان ولا يزال تاج رأس الأمتين العربية والإسلامية قولا وفعلا، أنه مع مصر في السراء والضراء باعتبار أن الشراكة السعودية المصرية ليست «كلاما»، وليست انعكاسا للأحداث والتطورات الآنية، بل هي شراكة تاريخية متعددة الأبعاد في جوانبها الاستراتيجية والأمنية والسياسية والاقتصادية والفكرية، لأنها ترتكز على مبادئ راسخة وعميقة وتعتمد على واقع أصيل ورؤية مستقبلية طويلة المدى، يحتم زيادة أواصر هذه الشراكة لمصلحة الأمة، والبحث عن السبل المؤدية إلى تفريع طرق التعاون الاستراتيجي، خاصة أن مصر ماضية نحو استكمال خطوات «خارطة الطريق» التي طرحها الرئيس السيسي والتزم بها قولا وفعلا. وستتمكن مصر عاجلا من استعادة دورها الاستراتيجي إقليميا وعربيا ودوليا بالتعاون مع المملكة، لأنهما تشكلان ركيزة أساسية للعمل العربي والإسلامي المشترك وللتنسيق في مجال قضايا الأمة الإسلامية، وقطبا العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي، وعليهما يقع العبء الأكبر في تحقيق التضامن العربي والوصول إلى الأهداف التي تتطلع إليها الشعوب الإسلامية فضلا عن تحقيق الأمن والسلم في العالم. إن استقرار مصر ينعكس على استقرار بقية الدول العربية واضطراب مصر يهدد استقرار المنطقة، ومن هذا المنطلق جاء موقف المملكة الثابث الذي دائما ما يدعم الاستقرار والأمن في المنطقة العربية وفي مصر تحديدا، نظرا لخصوصية العلاقة بين البلدين الشقيقين. وستظل المملكة داعمة للشعب المصري، لتتجاوز مصر عقبات المراحل الانتقالية المتبقية، وهي قادرة باذن الله على ذلك بإمكاناتها البشرية الهائلة وطاقاتها الوطنية الكبيرة ثم بالإصلاحات الجديدة على المستويين الاقتصادي والسياسي التي سيتبناها الرئيس السيسي في المرحلة المقبلة. وكمحصلة نهائية، فإن زيارة خادم الحرمين الشريفين لمصر ستكون لها انعكاسات إيجابية لإيجاد حلول لقضايا الأمة العربية والإسلامية وتعزيز العمل الإسلامي المشترك.