هل يستطيع القائد - الجديد على وجه الخصوص - أن يفرق بين الأزمة الحقيقية و"المفتعلة" داخل مؤسسته؟ في بعض الأحيان، يكون القائد ملما بالخبرة "الفنية"، تلك المرتبطة بنشاط المؤسسة أو قطاعها (خبرة استثمارية، هندسية، صناعية) لكنه يفتقر إلى الخبرة الإدارية في التعامل مع البشر والقوى المحركة داخل المؤسسة، فيستدرج إلى خارج منطقته ويتعرض إلى الاستنزاف! يمكن تمييز الأزمة "الحقيقية" من خلال معرفة العلاقة بين السبب والنتيجة، وبالتالي وضع الحلول لمواجهتها، وللأسف فإن معظم الأزمات ناتجة عن "سوء تخطيط"، أي أن هناك من لم يؤدِ واجبه جيدا في الماضي. أما الأزمة المفتعلة فهي "سحابة دخان" تشكلها أطراف لإشغال إدارة المؤسسة، وتعطيلها عن القيام بمشروعات معينة حفاظا على مصالحها، ولا يمكن فهم الأزمة "المفتعلة" بطريقة منطقية (سبب ونتيجة)، لأنها مشكلات غريبة الحدوث، هدفها مقاومة التغيير. من تجربة خاصة، فإن أفضل طريقة للكشف عن الأزمات "المفتعلة" داخل مؤسساتنا أن نكتسب مهارات التفكير الناقد (critical thinking)، ونركز تحديدا على مهارة معرفة الأنماط المتكررة (pattern recognition)، التي تساعد الفرد على التخمين وافتراض الأسباب، واتخاذ القرارات في ظل الظروف التي يكتنفها الغموض، وهي مهارة يحتاجها بكثرة رجال الأمن والاستخبارات، لإيجاد قاسم مشترك بين الظواهر/الأحداث المزعجة المتكررة تمهيدا لوضع خطط المواجهة والاحتواء. بمعرفة الأنماط المتكررة، استطاعت الشركات الواردة في القصتين أدناه مواجهة "الأزمات المفتعلة"، التي كان هدفها الضغط على الإدارات العليا لإجبارها على اتخاذ قرارات أو ثنيها عن اتخاذ قرارات أخرى. القصة الأولى: كان الرئيس التنفيذي يسابق الزمن لتطبيق الهيكل التنظيمي الجديد للشركة، إلا أن مشروع التغيير كان يواجه تعطيلا، لم يكن يفهمه بالضبط، لكن الصورة بدأت تتضح عندما نصحت الرئيس التنفيذي بتتبع الأنماط المتكررة، وعندما بدأ يحلل ويربط اكتشف أن الأزمات المفتعلة كانت تحوم حول ثلاثة إدارات (النمط المتكرر). طلب الرئيس التنفيذي معلومات ومستندات ومن ضمنها ملفات مديري هذه الإدارات، وبعد الاطلاع أدرك أنهم مديرون قدامى، وجاؤوا من الشركة السابقة نفسها، وفي تواريخ متقاربة، وتيقن أن هؤلاء المديرين الثلاثة هم "شلة" واحدة، وهم سبب البلبلة وترويج الشائعات، وكانوا يتعمدون القيام بالمناورات الإدارية لإحراج الرئيس التنفيذي الجديد وإظهاره بمظهر "الفاشل"! أما القصة الأخرى: فالشركة كانت تواجه مشكلات مع البنوك تتفاقم خلال فترة "معينة" من العام، الأمر الذي حير مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، وبعد البحث والتحري، اتضح أن "الرئيس المالي" كان وراء هذه المشكلات، فهو كلما أدرك أن نهاية عقده قد أوشكت على الاقتراب (النمط المتكرر)، أضرم النار بين الشركة والبنوك لإرغام صاحب العمل على الاحتفاظ به لسنة جديدة! "الحرائق" التي تشتعل في مؤسساتنا ليست كلها بالطبيعة ذاتها، ولذلك تزداد أهمية تمتع القائد ب"الحنكة الإدارية" التي تساعده على التمييز بين نوعية "الحريق"، واختيار "الطفاية" الأنسب!