من التقاليد الراسخة في الجامعات والمؤسّسات العلمية الكنديّة أنها تحتفظ في وثائقها الرسميّة بنبذات عن سير علمائها المتميزين، تتضمّن بحوثهم وإنجازاتهم ومناصبهم الأكاديميّة والمهنيّة. ينطبق ذلك على العالِم الكندي - المصري محمد كامل الذي وصفه «معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيّات»Institute for Electrical & Electronics Engineers أثناء الاحتفال بانتخابه زميلاً، بقوله إن «كامل أستاذ وباحث متميّز ومدرب ومهندس وإداري بارع». ولد محمد سالم كامل في الإسكندرية عام 1948. وحصل عام 1970 على بكالوريوس في هندسة الكهرباء والحواسيب والتحكّم الآلي من جامعة الإسكندرية، وعمل معيداً في تلك الكلية لمدة سنتين. سافر إلى كندا بمنحة دراسيّة من جامعة «ماكماستر». أنجز رسالة ماجستير في الحواسيب، ثم حصل على شهادة الدكتوراه في علوم الكومبيوتر وبرمجة الأجهزة الذكيّة من جامعة تورونتو. عمل في التدريس قرابة ثلاثة عقود. وكان أستاذاً في جامعات «غِلف» و«تورنتو» و«واترلو» في كندا، وأستاذاً زائراً في جامعات «بوردو» و«نيومكسيكو» الأميركيتين و«بورتو» البرتغالية. وراهناً، يشغل كامل منصب أستاذ دائم في جامعة «واترلو» - قسم «تصميم النُظُم الهندسيّة والهندسة الكهربائيّة وهندسة الحاسبات»، إضافة إلى كونه مديراً لبحوث عن الآلات الذكيّة. مهنيّاً، يتمتّع كامل بنشاط بارز في لجان ومجالس مختصّة ك «المجلس الاستشاري للعلوم والمعرفة» و «لجنة التخطيط للبحوث والتعيينات الجامعية» و «لجنة هندسة البرمجيات» و «لجنة تنسيق البحوث الجامعية» في كندا. كما شغل منصب مستشار في عدد من مجالس إداراة شركات «مختبرات بيل» و«جنرال موتورز» و«آي بي إم» و«اتصالات كندا المحدودة». وأسّس كامل شركة «فيرتك العالمية للرؤية» Vision Internatinal Virtek. وساهم في تحرير عدد من المجلات العلميّة المختصّة ك «المجلة الدوليّة للروبوتات والتشغيل الآلي» و«مجلة محاكاة الكومبيوتر»، و«علم الحاسوب» و«عالم العلم» و«بلاكويل» المختصّة في الذكاء الاصطناعي، و«إلسِفيير» Elsevier. انتُخِب عضواً في «المعهد الكندي للمهندسين الكهربائيين والإلكترونيين» ونقابة المهندسين الكنديّة، و«جمعية النهوض للذكاء الاصطناعي»، و«أكاديمية نيويورك للعلوم»، و«الجمعية الدولية للمحاكاة بالكومبيوتر»، إضافة إلى تأسيسه «جمعية الصورة وذكاء الآلة» Image and Machine intelligence. ذكاء الآلات يحاكي النمل والطيور تمحورت بحوث كامل حول نُظُم الذكاء الاصطناعي وتقنياتها وآلياتها المتقدّمة. جاءت باكورة إنجازاته عقب حصوله على شهادة الدكتوراه، عبر مشروع حول التعرّف إلى الأنماط، تقدّم به إلى شركة «إن سي آر» الكندية المختصّة في الإلكترونيّات وبرمجيات الكومبيوتر، في مطلع الثمانينات من القرن الماضي. وفي لقاء مع «الحياة»، أوضح كامل أن مصطلح «التعرّف إلى الأنماط» Pattern Recognition يمثّل فرعاً من علوم الذكاء الاصطناعي، يتّصل بصنع تقنيّات للتعرّف إلى أنماط محددة في إشارات رقميّة معيّنة، على غرار التعرّف إلى سمفونية انطلاقاً من مقطوعة صغيرة منها، عبر التعرّف إلى النمط الموسيقي للسمفونية. في مثال آخر، من المستطاع التعرّف إلى نمط الاستهلاك لشريحة اجتماعية معيّنة عبر تحليل المعلومات عن مشترياتها والمخازن التي تتعامل معها والسلع التي تميل إليها. ووفق كامل، تساعد تلك الآليات على اكتساب المعلومات للحصول على النمط الذي ينبغي التعرف إليه، ثم تصنيف المعلومات وتخزينها وتحويلها إلى نص رقمي يتعامل معه الكومبيوتر. وتوصّل كامل إلى تقنيات تمكّن من التعرّف إلى أنماط الكتابة والأرقام المكتوبة يدويّاً على الشيكات المالية. وبرع كامل أيضاً في تقنيّات معالجة الصور الرقمية، وهي من أساسيّات علوم الكومبيوتر. وتتطلب تلك التقنية إجراء عمليات متعاقبة تبدأ بالحصول على صورة رقمية وتصفيتها من التشويش. يلي ذلك «تقطيع» الصورة، بمعنى استخلاص مواصفات معيّنة منها، وتصنيفها. بعد ذلك، يجرى ربط المواصفات بالأنماط المتّصلة بها، ما يؤدي إلى فهم الصورة بصورة دقيقة ومتكاملة. وأوضح كامل أن نُظُم مُعالجة الصور تستخدم في مجالات متنوّعة تشمل التحكّم الذاتي في الآلات الذكيّة والروبوت، والرؤية الرقمية وغيرها. وشدّد كامل على أن معالجة الصور تتخذ أهمية كبيرة على مستوى إدراك الصور، بمعنى أن تفهم الآلات الذكيّة معنى الصورة أو تتعرف إلى أنماط معيّنة أو أشكال محدّدة كاللوغو. «نصنع تقنيات لتمكين الروبوت من التعرّف إلى شكل إنسان ما، أو تحديد ملامح وجهه وهيئة بصماته، وكذلك التعرّف إلى سيّارة معيّنة على الطريق. تستعمل تلك التقنيّات أيضاً في الملاحة الفضائية عند تحليل الصور التي تلتقط للأرض من الفضاء». وفي سياق متّصل، أظهر كامل براعة في صنع برامج للكومبيوتر تستطيع أن تحاكي ما يعرف باسم «الأنظمة الذكيّة التعاونية»Cooperative Intelligent Systems وتطبيقها في مجالات متعددة. وبيّن أن مفهوم «الأنظمة الذكيّة التعاونية» يعني من حيث المبدأ التعاون بين أنظمة ذكية عدة مع بعضها بعضاً بدلاً من الاعتماد على نظام واحد. «ربما يكون التعاون بين مجموعة روبوتات أو آلات ذكية تعمل على مستوى متقارب، وتتوزّع المهمات والمسؤوليات في ما بينها كي تشكّل فريقاً ذكيّاً واحداً». وأشار إلى أن «الأنظمة الذكيّة التعاونية» تستخدم في مجالات أمنية واسعة كتركيب كاميرات ذكيّة في المطارات والمرافق الحيويّة الأخرى، أو تعقّب أشخاص مشتبه فيهم. كما يمكن ل «الأنظمة الذكيّة التعاونية» أن تتشكّل عبر تعاون بين برامج كومبيوتر متنوّعة تتوزّع المهمات في ما بينها بهدف حل مشكلات فنيّة أو تقنية معقّدة. ولفت كامل إلى أن الأساس النظري والعملي لمفهوم «الأنظمة الذكيّة التعاونية»، موجود في الطبيعة التي تقدم أمثلة كثيرة عن ذلك النمط من التعاون، إذ تتعاون كائنات كالنحل والنمل مع بعضها بعضاً بطريقة فعّالة، ما يعني أن من الممكن الاستفادة من تلك المخلوقات عبر صنع برامج كومبيوتر تحاكي التعاون الحاصل في ممالك النمل والنحل والطيور. جوائز التفوّق العلمي شملت بحوث كامل تقنيّات «التنقيب في البيانات» («داتا مايننغ» Data Mining)، وهي باتت علماً قائماً بذاته. وتتعلق تلك التقنية بعمليات تحليل البيانات وربطها مع الذكاء الاصطناعي والعمليات الإحصائيّة. بمعنى آخر أنها عملية تفتيش عن معلومات معينة ومفيدة، تكون موجودة ضمن كميات كبيرة من البيانات. وتبدأ عملية التنقيب عن البيانات بتحديد ما هو متوافر منها، ثم تصنيفه وإعادة تدقيقه، وتخليصه من الشوائب والأخطاء والعيوب. بعدها، يصار إلى تجميع البيانات التي يظهر أن لديها خصائص متشابهة، مع فصل الجيد عن الرديء، بهدف الاستفادة منها مستقبلاً. واستطرد كامل في شرح تقنية تنقيب البيانات موضحاً أنها عملية بحث وتحليل داخل «مستودع» تتراكم فيه بيانات تأتي من مصادر مختلفة، كشبكة الإنترنت والوثائق المتنوّعة. وتتيح تلك التقنيّة للمؤسسات التعرف إلى ما تحتاجه من طريق توثيق المعلومات المتنوّعة، وتلخيصها وتصنيفها، ثم الربط بين المعلومات والنصوص. وتتمثّل الغاية النهائية منها في اتخاذ قرارات حاسمة تستند إلى بيانات دقيقة ومؤكدة. ويحظى كامل برصيد وافر من الجوائز العلمية أهمها «المخترع المتميّز»، و«جائزة المؤتمر الدولي لبحوث النظم الهندسيّة»، و«الأداء المتميّز» في كلية الهندسة لجامعة واترلو، وميدالية «معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيّات» عن مساهمته المتميزة في التعرّف إلى الأنماط Pattern Recognition والأنظمة الذكية وغيرها. وكذلك حاز درجة الزمالة من «معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيّات»، و«معهد الهندسة الكندي»، و«الأكاديميّة الكنديّة للهندسة»، و«الرابطة الدولية للتعرّف إلى الأنماط»International Association of Pattern Recognition وغيرها.