للأنفس أذواق مختلفة، ولها أفراح وأحزان متعاقبة، والإنسان يعيش حياته ما بين الرفاهية والعز التي لها أسبابها، أو الكآبة والذل التي لها مآتيها. وللأنفس السعيدة ذات الحياة الطيبة، الغارقة في خيرات أوطانها وأمنه شعور عذب كعذوبة الورد وحلاوة العسل وصفاء النهر، ولها في الغُربة مرارة شديدة كمرارة الحنظل وظلمة كثيفة كسواد الليل الحالك. حيث تطالعنا الأخبار من وقت إلى آخر، لتروي لنا عن المُهجرين ومتجرعي التشريد، قصصاً مأساوية وأحداثاً محزنة وحرقة لا تبرى جراحها ولا يمكن وصفها ولا التعبير عنها. فالفقر والإهانة والذل والمآسي وجميع الأمراض النفسية بكل أعماقها ودرجاتها تتسلل إلى مكامن أرواح أولئك المضطهدين والمشردين عن أوطانهم. فكم تحسر الملايين على التفريط في وحدتهم الوطنية، ولنا في ما آل إليه الوضع في كثير من الدول المتضررة من الحروب وانعدام الأمن، عبر ودروس. فهل تعلم بأنها تبكي وتتألم ملايين الأرواح؟ وهل تعلم بأنها تُعذب وتذل ملايين الأنفس؟ والسبب في ذلك هو التفريط في وحدة الصف أو التساهل في حفظ الوطن، ثم التشرد والغربة المهينة. وهنا نقول: أو لم يأن لشعوبنا العربية أن تتخذ من الأحداث السياسية السابقة عبرة وحذراً؟ وأن تحافظ على أوطانها ووحدتها، للعيش بعزة وكرامة وللحفاظ على الأعراض وعلى مكونات البلدان وخصوصيتها. ونحن في هذا البلد الآمن -ولله الحمد- نعيش كل عام ذكرى توحيد الوطن بكل بهجة وفرح، ووطننا الغالي في تطور ونماء وعزة، وأهل هذا البلد بفضل الله يعيشون بأمن وأمان ورغد عيش وحياة كريمة. ولا شك أن للمغرضين والمشككين والحساد أدوارهم السلبية الفاشلة وسلوكياتهم الحقيرة اليائسة للنيل من أمن البلد وتفريق الصف، ولكن -الحمد لله- إذ لم يستطع الخوامل والركع الخانعون أذناب إيران وأرباب الشبهات وأصحاب الأفكار الإرهابية وذوي الإعاقات الفكرية والسياسة، الوصول إلى مرادهم ومطامعهم، بل ولله الفضل والمنة ما زادتنا تلك الأحداث السخيفة والتصرفات الرعناء، إلا شجاعة وبسالة وإصرار وتفاؤل، وكشفت لنا العقول الفارغة والقلوب المتسرطنة الحسد والحقد. مهما نواجه من تحديات، لم يشعر سكان وطننا ومواطنوه في أي يوم بقلق، ولم يتغير نمط الحياة فيه ولا طمأنينة العيش. وما ذلك إلا دليل راسخ وحجة دامغة على رزانة الرأي وقوة التلاحم وتميز الحكمة والتدبير في مواجهة الخطوب والأحوال الجسيمة، فالفضل والمنة لله على نعمه الطائلة. حفظ الله بلادنا وقادتنا وحكامنا من كل شر ومكروه.