هناك فرق بين التقدم، والإتقان.. قد تتقدم إحدى الدول في مجال التصنيع (وهذه المرحلة الأولى)، ولكن هل تحظى منتجاتها بالجودة التي تضمن الرواج والاستدامة والسمعة الجيدة (كمرحلة تالية)؟! الجودة تتطلب الإتقان، والإتقان مفهوم إسلامي يعنى التفوق في الفعل والتميز في الصنع بدليل قوله تعالى (صنع الله الذي أتقن كل شيء). لا يكفي أن تعرف كيف تصنع وتقدم الخدمة، بل يجب أن تصنع منتجاً يتفوق في الجودة، وتقدم خدمة لا يقدمها بقية المنافسين الجودة نفسها تجاوزت المفهوم التقليدي (جودة المنتج والخدمة) إلى جودة المؤسسة والأداء وتقليل التكاليف، وهذا ما تسعى إليه السعودية ضمن رؤيتها الجديدة. تزايد حدة المنافسة تجعل للجودة الكلمة النهائية فيمن سيبقى ويختفى من السوق. تجعلها الفاصل بين الاستدامة واحتكار العميل، وبين التراجع وخسارة العميل. الجودة بحد ذاتها تحولت إلى صناعة واقتصاد غير مرئي تتضمن عوائد غير ملموسة وتتحول بمرور الزمن إلى ماركة شعبية (ترسخ في أذهان الناس بشكل غير رسمي). أصبح هناك اليوم ما يعرف بإدارة الجودة التي لا تهدف للتفوق فقط على بقية المنافسين، بل والتفوق حتى على توقعات المستهلكين من خلال خدمات ومعايير تتجاوز "المعتاد". الجودة في التعليم مثلاً هي التي صنعت نهضة سنغافورة وكوريا الجنوبية وجعلت فنلندا نموذجاً يحتذى.. الجودة في الصحة هي ما جعلت كوبا وأسبانيا صاحبتي المركز الأول في صحة المسنين وتفوق الرعاية الصحية. والجودة في الخدمات العامة هي ما جعلت الدول الاسكندنافية الأفضل عالمياً في جودة الخدمات المجانية المقدمة للمواطن.. أما ألمانيا فقد لا تكون صاحبة الاقتصاد الأضخم في العالم، ولكنها صاحبة السمعة الأفضل فيما تصنعه الأمر جعل منتجاتها تلقى رواجاً وإقبالاً أفضل من غيرها، رغم ثمنها النسبي المرتفع. ونحن في السعودية، لا نطمح فقط بالتقدم في كل تلك المجالات، بل والتفوق في جودة التعليم والصحة والصناعة والخدمات العامة.. نسعى للوصول لمستوى (الجودة الشاملة) التي تحتكم إلى مواصفات ومقاييس راقية تحولنا إلى نموذج عالمي يحتذى بحلول عام 2030. ولأن الجودة نتيجة للإتقان، يجب أن يتحول الإتقان ذاته إلى فعل واعٍ يمكن إدارته وتهيئة الظروف لوجوده. أن يتحول إلى جهد يمكن قياسه ومسؤولية شخصية (قبل أن تكون عامة)، يتطلب قدرا كبيراً من الحرفية والنزاهة والرغبة في التفوق والحرص على الاستدامة سواء من المسؤولين أو العاملين أنفسهم. * أيها السادة، مبدأ الجودة والإتقان ليس غريباً علينا كوننا أمرنا به قبل 1443 عام حين طالبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بتحويلهما إلى فعل يومي شامل حين قال (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).. وخلال الأيام الماضية شهدت(المدينةالمنورة) المؤتمر الوطني الثامن للجودة الذي تنظمة الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة (SASO) تحت رعاية وزير التجارة الدكتور ماجد القصبي. شهد حضوراً ثرياً من المتحدثين المحليين والدوليين تجاوز ال70 متحدثاً في 16 جلسة وباستضافة المملكة المتحدة كضيف شرف.. تم عقده تحت شعار "جودة مستدامة لوطن طموح" في مسعى جديد لترسيخ مفهوم إسلامي (ليس عريقاً فحسب) بل ويعد إحدى الركائز الرئيسية للرؤية السعودية لعام 2030. فهد عامر الأحمدي