يجدر بنا أن نحرر العنوان، فالجيل وفقاً لأهل الاختصاص يقع ما بين 25 إلى 30 عاماً تقريبًا، أي متوسط الفترة الزمنية بين ولادة الآباء وولادة أبنائهم. والطيبون جيل عاشوا ما بين 1960م إلى 1989م تقريبًا. وسيأتي بعد جيل الطيبين جيل آخر، ومعلوم أن الأجيال المتلاحقة تنكر بعض ما هي عليه من تغير في الأحوال ومن تبدل غِيَر الدهر فتفزع إلى جيل من قبلهم لذا تراهم الأطيب والأفضل، على الرغم من محدودية الإمكانات وبداءتها. والحق أقول: إن لكل جيل سماته الخاصة، فجيل الطيبين ليس على اسمه في كل أحواله، فمنهم من خلط عملاً صالحاً وآخر دون ذلك، ولم تكن بيئتهم صفوًا من الأكدار والأقذار، لكن المشاهد أنه لم يجتمع عليهم عسران: شظف العيش وضيق الخلق مثلًا، ولم يجتمع عليهم الفقر والخوف وإذا كان فهو طارئ وليس ثابتاً. والجيل الطيب لا يعرف طيبته إلا من عاشر غيره من الأجيال، كما قال الأول: عتبت على عمرو فلما فقدته وجربت أقواماً بكيت على عمرِو والأجيال اللاحقة تجري بين أعينها سبل الحياة الكريمة في أوضح صورها حتى تضيق عليهم ثيابهم، فيستعرضون حالهم ويعرفون نعمة الله ثم ينكرونها فيرون عجباً، إذ الأولى أن مقومات الحياة الكريمة تستوجب مزيداً من السلوك القويم في جميع الأحوال، إلا أن مساحة الطيبة قلّتْ وما كان لها أن تقلّ والحال ما ذكر. والمتوقع أن هذا اللاحق المسترجع لتصرفات جيل الطيبين سيأتي بعده جيل يصفهم بالطيبين، ويصف الطيبين بالجيل الذهبي. إن دوام الطيبة ليس وصفاً لازماً، وحالة الإنكار من الجيل اللاحق ليست على إطلاقها. ولو سئلتُ هل تتمنى أن يعود جيل الطيبين؟ فسأقول: نعم، يعود مع توفر إمكانات اليوم وسبل العيش الكريمة الحالية. ثم إني أقول لمن تنكّر لجيل الطيبين: ما أنت عليه الآن هو صدى صوت الطيبين الذي لو قدر الله أن أخرجهم إلى الحياة مرة أخرى لأنكروا من حالك، ولاموا أنفسهم على خلافتكم لهم، وقالوا: لئن فخرتَ بآباءٍ ذوي حسبٍ لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا د. علي السرحاني