«لا أعرف متى آخر مرة شربت فيها القهوة من الشربة وفي فنجان مصنوع من الترابة»، كان هذا ما قاله لي العم سعد عبدالله أبو قدحان -وهو محق في هذا، لأني لم أدرك الزمن الذي كانت فيه الشربة سيدة المجالس في قرانا الريفية-، ما يعني أنها اختفت قبل ما يزيد على الأربعين عاماً. وأكثر إلا أن معرض «لنا تاريخ» أعادها لواجهة مشهد الحياة مؤقتاً مرة أخرى لتكون مع بقية الفعاليات والمعروضات شاهداً على العصر. جاء المعرض الذي أطلق فعالياته محافظ المخواة الأستاذ غلّاب أبو خشيم بصالة المعارض في #غرفة_المخواة بالتزامن مع مناسبة اليوم العالمي للمتاحف ليكون عنواناً لافتاً لعراقة المكان وبراعة الإنسان في هذا الجزء من الوطن في إنتاج الجمال. ما ميز المعرض أنه خرج من متحفية المعارض إلى حيوية الفعل الدرامي، حيث أدت الصغيرات فعلياً مشاهد حقيقية لألعاب البنات قديماً، وارتدين الملابس النسائية المطرزة، وخضبن الأكف بالحناء، فيما علت الرقمة تلك الوجوه البريئة على طريق جداتهن وكأنهن يستحضرن الأزمنة التي خلت بطقوسية خاصة تتوزعها مشاهد تتكلم بإيحاءاتها الشفيفة عن المظاهر الاجتماعية والدينية والثقافية والتراثية في المخواة، وتدبّ فيها حركية لها علاماتها، ولها بياضاتها، في حين كانت الدفوف والطبول تعلن عن مصاحبتها لكل المشاهد حين تؤدي الفتيات مشهدية بسيطة (زفة العروس)، التي ملأت المكان بروائح البخور وشدهت الأبصار بمشاهد اللعب قبل أن يقللن العروس نحو بيت الزوجية كما كان متبعاً في طقوس الزواج. هذا الدوران الحي المتحرك في أرجاء المعرض، وكأنه يحكي فعل الزمن الذي يطحن الأعمار، ويقصي دفء اللحظات، وينفث في نهوض مشاهد تسيرها حركة الصغيرات اللائي يتحركن بشفافية أخّاذة تسير بإيقاع رتيب نحو رسم أفق يضع الزوار في أتون حالة من الفرجة تستحضر عشيات القرى وأفراحها التي استعيدت في كل حركة، وتسمع في كل همسة، وتصرخ في كل همهمة كأنها نشرات أخبار تسعى إلى تكوين خطاب صنعه المعرض، لم تكن هذه المشهدية التي تضافرت مع أكثر من 3000 قطعة تراثية حواها أكثر من 13 ركناً هي كل ما حدث بل كان الصغار من البنين يضيفون للمشهد بعداً أخاذاً وهم يلفون أجسادهم بالمصانف، وتعلوا رؤوسهم الغرزة ذات الروائح الزكية، فيما صوت (الزير) يذكي في أوصالهم روح الحماس ليتحولوا إلى لوحات راقصة تملأ الفضاء دهشة وجمالاً. فريق العمل فطن في تقديري إلى أهمية اجتراح الحلول الذكية التي تساهم في جعل المعرض بحيوية أكثر حين جعلوا وجبة العشاء تعد في محانذ حفرها الطباخون المهرة على طريقة القدماء ليجعلوا من روائح اللحم المندي جزءاً من الأجواء التراثية. محافظ المخواة فور إطلاقه المعرض تجول حين وصوله في أركان المعرض، كما وقف على معروضاته ومقتنياته، واستمع إلى شرح مفصل من العارضين عن محتويات الأركان المتنوعة بين الحلي والملبوسات والنقود والأسلحة وأدوات الزراعة والحصاد والفنون، وكانت الفرق الشعبية التراثية قد شاركت في إحياء فعاليات المعرض بأداء عدد من الألوان التراثية المحلية، كما شاركت طالبات ابتدائية المخواة الألعاب التراثية التي تشتهر بها المحافظة ليشكلن لوحة تراثية نالت استحسان الجميع. وقد أثنى أبو خشيم على ما حواه المعرض من فعاليات تراثية تميزت بالعراقة والتنوع وتعكس تاريخ المكان وتعزز الهوية بما يحقق مستهدفات #رؤية_2030 . وكرم في ختام الفعاليات المساهمين في إنجاحه، كما ترأس اجتماع اللجنة الإشرافية والتنفيذية لحصر المواقع التراثية والوثائق التاريخية، ويبحث تفعيل دور اللجنة بما يفيد من الميزة النسبية للمحافظة ويعزز هويتها التراثية، ويوصي بحصر المواقع التراثية وإنشاء قاعدة معلومات بالمواقع وتاريخها، وقد أعرب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الأستاذ ماشي العُمري عن شكره لمحافظ المخواة على كريم الرعاية والدعم، وأكد سعادته على ما عكسه المعرض من جمال أخاذ، وأضاف: «نعمل على تأكيد هوية المخواة التراثية عبر حزمة من الفعاليات التي تركز على لفت النظر للتراث كإحدى القوى الناعمة بما يتماهى مع توجهات القيادة ومستهدفات الرؤية الوطنية».