يرى المحلل الأكاديمي الأميركي بول بيلار أن رد الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كان قويا، و كان من المؤكد تقريبا تعارضه مع توقعات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولكن هذا الرد سرعان ما امتد إلى ما هو أبعد من التنافس العسكري المباشر في أوكرانيا ليصبح صراعا أوسع نطاقا وأطول أمدا مع روسيا. ويقول بيلار الذي خدم طوال 28 عاما في أجهزة المخابرات الأميركية في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست إن مثل هذا التوسع يجسد بصفة خاصة الهدف الأميركي المعلن وهو عدم الاكتفاء بإنهاء العدوان في أوكرانيا ولكن بصورة أكثر شمولا "إضعاف" روسيا، ومن المفترض أن يعكس ذلك التصريح الخاص بالأهداف قرار سياسة خارجية مدروسة وليس مجرد زلة لسان مثل تصريح الرئيس جو بايدن المرتجل بأنه لا يمكن السماح لبوتين بالبقاء في السلطة. ويرى بيلار أن الإعلان عن إضعاف روسيا كهدف يواجه مشكلتين رئيستين. فهو في صالح مقولة بوتين بأن ما يفعله الغرب ليس مجرد رد على الحرب في أوكرانيا، ولكنه يعكس تهديدا أوسع نطاقا لروسيا. كما أن هذا الإعلان يزيد من صعوبة التوصل إلى أي تسوية لإنهاء الحرب الحالية، من خلال الحد بصورة مفهومة من ثقة روسيا بأنها سوف تحصل على إعفاء مهم من العقوبات الغربية والعزلة مهما فعلت في أوكرانيا، والولاياتالمتحدة في حقيقة الأمر تعلن بذلك حربا باردة جديدة مع روسيا. وبالنسبة للمستقبل القريب، ينبغي أن تكون الأولوية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ويمكن ببساطة القول إن المهمة ستكون صعبة، فلن يكون من السهل إيجاد صيغة تفي بالحد الأدنى من متطلبات كل طرف في الحرب، والفشل في إيجاد مثل هذه الصيغة، بالإضافة إلى إطالة أمد معاناة الأوكرانيين، سوف يزيد من ترسيخ حرب باردة جديدة مع روسيا كسِمة مهيمنة للعلاقات الدولية طوال سنوات مقبلة، وسوف يحدث ذلك إذا استمر المستوى الحالي من إطلاق النار في أوكرانيا أو إذا تحولت الحرب إلى صراع مجمد من دون التوصل لتفاهم يتعلق بالأراضي التي استولت عليها روسيا. وأوضح بيلار أن أي حرب باردة جديدة مع روسيا سوف تتعارض للغاية مع المصالح الأميركية ومع الأمن الدولي بصورة عامة، وسوف تكون لها تأثيرات عكسية فيما يتعلق بالميزانيات العسكرية، وخطر تحول الأزمات إلى حروب عسكرية، وعرقلة العمل الخاص بالمشكلات العالمية ذات الاهتمام المشترك، وغيرها من الأمور. ويرى بيلار أن هناك رأيا متفائلا بالنسبة لقادة الغرب وهو أن روسيا اليوم تعاني من ضعف داخلي جاد، ويماثل بعضه ضعف الاتحاد السوفيتي، ولكن الحرب الباردة الأولى كانت لها نهاية واضحة لن يمكن تكرارها بالنسبة لأي حرب باردة جديدة، فقد انتهت الحرب الباردة الأولى بانهيار جاذبية وتأثير الأيدولوجية الماركسية - اللينينية، والانهيار السريع المذهل للحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية، وأخيرا انهيار الاتحاد السوفيتي نفسه، بذلك الفصل الأخير الذي كتبه بوريس يلتسين رئيس الاتحاد الروسي آنذاك. وفي الوقت الحالي يعتبر فلاديمير بوتين الرئيس الحالي للاتحاد الروسي، وإيجاد بديل لبوتين، حتى في ظل أكثر سيناريوهات تغيير نظم الحكم تفاؤلا، من المرجح أن يكون من اختصاص أجهزة الأمن الروسية، أو الأجهزة العسكرية أو كليهما، ومن الممكن أن يسفر ذلك عن نظام ليس أفضل من نظام بوتين وربما أكثر سوءا منه. وهناك اختلاف آخر عن الحرب الباردة الأولى لا يبشر بالخير بالنسبة للتوقعات الغربية للفوز في أي حرب باردة جديدة ويتعلق بالقوة التي تم وصفها كثيرا على الأقل حتى هذا العام بأنها عدو لدود في أي حرب باردة جديدة وهي الصين. فطوال معظم فترة الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي كانت علاقات الصين سيئة مع الاتحاد السوفيتي ووصل الأمر إلى إمكانية اندلاع حرب على الحدود بين الدولتين، أما الآن فإن الصين دولة عظمى اقتصاديا - وعسكريا بصورة متزايدة، وتوفر عمقا استراتيجيا لروسيا في عهد بوتين. ويختتم بيلار تحليله بالقول إن أي حرب باردة جديدة مع روسيا لا تبشر بالخير، ولن تنتهي بالانتصار في ظل "لحظة أحادية القطب"، وقد لا تنتهي على الإطلاق.