مستور دخيل القصير السواط ذاكرة الشعر الشعبي والحاضر في وجدان الشعراء بكل مناسبة واحتفال. اسم لا يمكن أن يتجاوزه المؤرخون والمهتمون بشعر المحاورة لأنه رائد من الرواد المهتمين بالتوثيق والتدوين وذاكرة لشعر المحاورة مازالت حية وحاضرة رغم مضي قرابة ربع قرن على رحيله. ولئن كان دور الشعراء يقتصر على نظم الشعر والمشاركة فيه بالاحتفالات والمناسبات، فإن القصير خط لنفسه منهجاً مختلفاً من خلال الحفظ والنقل من الشعراء في ساحة المحاورة والرواة إلى المجالس حتى بات ينافسهم جمالاً في الحضور وورعة في استرجاع محاورات الماضي. ولأن الأفكار وليدة اللحظة فقد قرر أن يحول القصير موهبته لفكرة فريدة أصبح من خلالها رائداً من رواد الحفاظ على التراث الشعبي من خلال التوثيق المسموع والمرئي. بدأت الفكرة تتبلور من بداية ولعه بالشعر في الثمانينات الهجرية حتى عام 1402 ه، حين أطلق أول استديو فوتوغرافي في المملكة لتصوير الشعراء والحفلات وتسجيل المحاورات على الأشرطة المسموعة. وحتى تنجح الأفكار لابد أن يتبعها عمل جاد ومتابعة دؤوبة مع شغف دائم، وهو ما كان متوفراً في الراحل الذي أمضى حياته متنقلاً ما بين الحفلات الشعرية منسقاً وموثقاً ومستمتعاً بعمله . كان بنفسه يسجل المحاورات حتى بات الداعم الإعلامي الأول للشعر وأهله في زمن قل فيه الاهتمام الإعلامي بالشعراء. ولم تتوقف رحلة القصير الطويلة بالعمل والإنجاز المشبعة بالحب والشغف عند هذا الحد بل كانت النقلة النوعية في مجال فن شعر المحاورة عام 1406 ه، حين افتتح أول استديو تصوير فيديو على مستوى المملكة والخليج لتوثيق الحفلات والمناسبات والتي باتت ذاكرة حاضرة لا تمحى بفضل الله ثم بفضل الراحل رحمه الله. وساهمت هذه الخطوة في انتشار فن المحاورة بعد أن كان نقلها يقتصر على الرواة من الحاضرين، لتسجيلها صوتاً وصورة وتخرج من إطارها الإقليمي الضيق من السر (جنوبالطائف) إلى المدينة نفسها ثم إلى كل مدن المملكة وقراها حاضرة وبادية. وانتقل القصير من ناقل وموثق ومؤرخ لمشارك وصانع للحدث من خلال المشاركة في جميع الحفلات بصفوف واختار لها الأكفاء من الشباب المتميزين الذين يتقنون حركات الأداء أثناء ترديد أبيات الشعراء المتحاورين. وتفرد مستور القصير وتميز في هذا المجال حتى أصبح الاسم الدارج والمعروف الذي ما إن يذكر شعر المحاورة إلا ويكون حاضراً في مقدمته، ليتحول للأب الروحي لهذا الموروث العريق. لكن الأقدار لم تمهل القصير طويلاً فقد انتقل لجوار ربه في حادث سير على طريق الطائفالرياض في رحلته للمنطقة الشرقية لترتيب إحدى الاحتفالات الكبيرة عام 1419 ه. توفي القصير لكن أثره ظل باقياً لم ينقطع، فقد ترك خلفه من استلم الراية وأكمل المسيرة. ولأن لكل زمان دولة ورجال فقد أحسن أبناء القصير لوالدهم بعد أن رحل بحفط إرثه، والسير على خطى والدهم مع المحافظة على المبادئ التي رسخها مستور القصير -رحمه الله- والنهج المتزن الذي يتميز به هذا الاسم الكبير. تركي السويهري