كثيرًا ما أقف متعجبة أمام إبداعات البشرية، ومهاراتها التي تجاوزت حدود المعقول لترسم لوحات من الخيال حتى أصبح واقعًا نتقلب في نعيمه، تلفّتْ حولك وتفكّر بكل ما تقع عليه عيناك: ماذا لو لم يخترع الإنسان ذلك؛ كيف ستكون حياتنا؟! ماذا لو أن الإنسان أوقف التفكير، والبحث عن حلول لما يواجهه من مشكلات وصعوبات في الحياة؟ هل كنا سننعم بالراحة؟! إنّ كل ما يوجد حولنا من إبداعات بشرية، لم تكن سوى فكرة طرأتْ على عقل أحدهم، فاقتنصها كما يقتنص الصياد السمكة قبل هروبها، ليحولها إلى واقع مرسوم على أديم الأرض. لقد جُبِل عقلُ الإنسان على التفكير، والابتكار، وفتح نوافذ الخيال ليمهد للبشرية دروب الحياة الوعرة، لتكون طريقًا معبدًا يقطع خلاله رحلة حياته بيسر وسهولة. ولأن الإنسان حينما يُبدع ويبتكر يستحق أن تُنسب إليه فكرته، وتثبت له حقوق اختراعها واكتشافها، كما أثبتَ التاريخ طموح العالم (عباس بن فرناس) في التحليق مع الطيور، واختراعاته التي كانت نقطة تحول في حياة البشرية، وما أنار به عقل (توماس أديسون) لاكتشاف المصباح الكهربائي الذي نقل الحياة من الظلام الدامس إلى النور المشع مع إطلالات القمر. وغيرهم كثير مما نعيشه يومنا هذا ممتنيّن لتلك الفكرة التي اقتنصها أصحابها فحولوا بها حياتنا لنعيّم راغد. إن بناء الحياة وتعميرها يبدأ من فكرة، ولأن العقل كلما كان يانعًا كان أقدر على توليد الأفكار التي تساعد في حل مشكلات الحياة، والرقي بها إلى مستوى أفضل وأسهل، فإن استثمار العقول النيّرة وحفظ حقوقها هو حق من حقوق تلك العقول المفكرة، لذا جُعل السادس والعشرون من شهر إبريل كل عام يومًا عالميًا للملكية الفكرية، من أجل حفظ حقوق الأفراد والمجموعات في الأفكار التي يقدمونها لتبسيط سبل الحياة، موجهين تفكيرهم نحو الشاب متخذين لهذا العام شعار: «الملكيّة الفكريّة والشّباب: الابتكار من أجل مستقبل أفضل»، في دعوة للشّباب ليحلقوا في فضاء الإبداع والاختراع، للبحث عن حلول جديدة تدعم التوجه نحو مستقبل مستدام. ولا يعد حفظ الحقوق ونسبة ملكيّتها لأصحابها أمرًا مستحدثًا لدى الحكومة السعودية؛ إذ كانت بدايته مع صدور نظام العلامات الفارقة عام 1358ه، وقد انظمت المملكة العربية السعودية إلى المنظمة العالمية للملكيّة الفكريّة (WIPO) منذ عام 1402ه لتكون عضو فيها، إلا أن تزايد التنظيم الاهتمام في المملكة العربية السعودية دعا إلى إنشاء هيئة تعمّق اهتمامها في حفظ حقوق الملكيّة الفكريّة في المملكة، وفتح الوثائق وحمايتها، وتوفير المعلومات بحقوق الملكية الفكرية تحت سقف (الهيئة السعودية للملكيّة الفكريّة) التي نشأت عام 1439ه، لتشارك الجهات الرئيسة الأخرى في تكوين (رؤية المملكة 2030)، من خلال «الاسّهام في تمكين القطاع الخاص من خلال منظومة التجارة والاستثمار» وتسهيل ممارسة الأعمال من أجل تنمية مستدامة. ومما يجدر ذكره في هذا الموضوع أن المملكة العربية السعودية في عام 2021م سجلتْ أول علامة - مراقبة وفحص - صنع في السعودية. لنفخر أن تكون مملكتنا الغالية منطلقًا ومنبرًا يدعو العقول النيّرة إلى الاختراع والابتكار، متوعدة لهم حفظ حقوقهم كاملة، ميسرة لهم كل الإمكانات التي تُساهم في تحقيق ما يقدمونه من إنجازات لتحقيق تنمية مستدامة ومستقبل أفضل.