الهم والحزن مرضان يفتكان بالإنسان أشد من بعض الأمراض العضوية؛ بل لا أبالغ أنه قد يصل أحيانا أن يكون أشد من كل الأمراض؛ ولهذا استعاذ منه نبينا - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في البخاري من حديث أنس - رضي الله عنه -: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال). وقدّم - صلى الله عليه وسلم - الهم والحزن في الحديث - والله أعلم - إشارة إلى أن ما بعده سبب له. الهم يورث القلق والاكتئاب الذي يبحث الناس عن علاجه عند القرّاء والأطباء، وبعيدا عن تأصيل المرض أو تصنيفه؛ فإن معرفة أسبابه والتخلص منها سبب زوالها - بعد فضل الله - وكما قيل: وبضدها تتبين الأشياء. لا يمكن لأحد أن يحصي الأسباب؛ لكن يمكن أن يجملها وما سواها يندرج ضمنها، البعد والإعراض عن الله سبب كل شر وهم وحسرة ، قال الله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) بالإعراض عن الله وترك العمل بأوامره، سبب لضيق الحياة والبرزخ والآخرة، فأي هم وأي حزن لمن هذا حاله نسأل الله السلامة والعافية. إن التعلق بالله والإقبال عليه يشتت الكدر ويقشع الهم ويورث اليقين والسعادة، وهذا لا يمكن أن يُشترى وإلا لكان أهل الثراء والجاه هم أسعد الناس؛ لكن الواقع يشهد بأنه كم من فقير أو مريض يعيش يقينا وطمأنينة وراحة يقابله غني صحيح يعيش اضطراباً وشكا وضيقا يتمنى أن يشتري بماله كله راحة ذاك أو يقين الآخر، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الترمذي بإسناد صحيح من حديث عبدالله بن عكيم الجهني (من تعلَّق شيئًا وُكِلَ إليه)؛ فمن تعلق بغير الله فلن ينفعه شيء؛ بل عاقبته الخسران والحسرة. المال وما أدراك ما المال، وأقصد بالمال جميع أنواعه من دراهم أو عقارات أو سيارات وغيرها؛ وكلنا نحبها وتنجذب النفوس إليها؛ لكن بين متعلق وبين مستمع بين من جعله غاية ومن جعله وسيلة، ثبت في الصحيحين من حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه -، عندما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا حكيم، إن هذا المال خَضِرَةٌ حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى) هكذا هو التعامل الأسلم أن تكون الدنيا في يدك تجعلها كما أراد الله، وليس في قلبك فتجعلك مُعْرِضا عن الله فيخيم عليك الهم والضيق والقلق. مع الله لا هم ولا حزن، وبذكر الله والاستقامة على أمره واتباع شرعه والاستسلام له تكون السعادة وطمأنينة القلب (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) ووجّه النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا أمامة بالحديث الذي ذكرناه من حديث أنس - رضي الله عنه -؛ ففي لزومه راحة وزوال لهمك وقضاء لدينك بفضل الله. كن كما يحب الله على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اعتقادك وقولك وعملك تجد كل خير وسعادة لا تنقطع، فاللهم اجعلنا أغنى خلقك بك وأفقر عبادك إليك، وارزقنا الأنس بقربك والطمأنينة بذكرك.