عودة الدراسة في رمضان هذا العام بعد 14 عاما من التوقف، فتحت النقاش في المجالس ووسائل التواصل الإجتماعي بين آراء أيدت الدراسة الحضورية، وأخرى اقترحت أن تكون الدراسة عن بعد طيلة ال 17 يوما دراسيا من الشهر الفضيل، واتسعت دائرة النقاش لتتناول أسلوب العمل والتعليم عن بعد عموما، مع اعتقاد بعض الآراء - أصحاب الطريقة الاستجابية (reactive) - أن هذا النمط جاء أصلا لمواجهة أزمة، وسيظل كذلك لمواجهة الأزمات في المستقبل! في الواقع، لا نختلف في أن البشر أخذوا على حين غرة، واضطروا للعمل والتعليم عن بعد خلال جائحة كورونا، إلا أن هذا لا يعني أن نربط تجارب العمل والتعليم عن بعد بنوائب الدهر، فالأحرى أن نفكر بعد زوال الجائحة بطريقة استباقية (proactive)، وننظر في "الأسلوب المهجن" الذي يمزج بين الحضوري وعن بعد، لنتخذه جزءا من روتيننا اليومي، وذلك للأسباب الواردة أدناه، بعضها ينطبق على العمل والتعليم، وبعضها يقتصر على العمل فقط: أولا: إبقاء لياقتنا عالية في العمل والتعليم عن بعد، مما يساعدنا على مواكبة الجديد في التقنية والممارسات، وفي الوقت ذاته نتمكن من إجراء فحص دوري للوسائل والتجهيزات يضمن استمرارية الأعمال دون انقطاع. ثانيا: العمل عن بعد أصبح ميزة تقدمها بعض المؤسسات، فسياساتها تمنح المرونة للموظفين للعمل بين المكتب والمنزل وفق أيام وضوابط محددة تكفل زيادة مستوى إنتاجيتهم وارتباطهم. ثالثا: ممارسة العمل وعقد الاجتماعات عن بعد يسهم في تخفيض النفقات، تلك التي ترتبط برحلات عمل موظفي الجهة أو استضافة زوارها، وتلك التي ترتبط باستئجار المساحات المكتبية، حيث يمكن تكليف أصحاب الوظائف - الإبداعية والمساندة - بالعمل عن بعد لبعض أو طوال أوقات العام. رابعا: من الممكن تقنين خيار العمل عن بعد بحيث يتاح لمن يمرون بظروف صحية (لا تغطيها الإجازة المرضية) أو ظروف عائلية (كرعاية الوالدين أو الأبناء) يتعذر خلالها حضورهم للمكتب مقابل خيارات لصرف الراتب، والأمر كذلك ينسحب على الطلاب المرضى أو المصابين الذين يمكن السماح لهم بالدراسة عن بعد دون أن يتأثر تحصيلهم العلمي. خامسا: استخدام خيار العمل والتعليم عن بعد كخيار للمدن التي تستضيف فعاليات كبرى، تتطلب انسيابية الحركة المرورية في الطرق، وهذا الخيار يضاف مع خيار العطلات مثلما حدث الشهر الماضي حين منح طلاب وطالبات محافظة جدة عطلة دراسية ليوم واحد لإقامة سباق فورمولا 1. سادسا: العمل والتعليم عن بعد يمنح الأشخاص ذوي الإعاقة المزيد من الفرص، وبوتيرة تتماشى مع ظروفهم، مما يساعدهم تدريجيا على الاندماج في المجتمع. قد تترهل "عضلاتنا"، ويعلو الغبار والصدأ الوسائل والبنى التحتية إذا سلمنا بالآراء التي لا ترى خيار العمل والتعليم عن بعد إلا في وقت الأزمات، لكن التميز دائما يحالف من "يستبق" الخطوة بخطوات، فيترك المشي لغيره، ويظفر بالهرولة!