لم أكن دومًا أخشى من زمن يأتي بالخذلان.. فالحياة أحيانا تتمدد أمامنا دونما نشعر فتفيض في مساحات التفاؤل أو يصبغنا التشاؤم فظنون النقاء، ونيات البياض تسير بنا في ذلك التمدد. ولكن.. يبدو أن خيالات الواقع تغتالها أحيانا واقع الخيالات.. فتأتي لنا بأمور تصدمنا لاحقا.. لأننا كنّا بلا إحساس بسبب اتساع غفلتنا، وابتعادنا عن بعض التفاصيل. جيد أن تنظم الحروف في واقع الاطمئنان.. لكنك في حالة الخذلان أو الإخفاق ستجد أنك تفقد لغتك، وتسقط كل حروفك.. وتعود كطالب بالمرحلة الابتدائية يتعلم حروفا، وجملا ليقولها هنا وهناك.. وعندما تحس بغصة تلتصق بالذاكرة.. تحاول طعن الوعي بالداخل.. وفي زخم الإعصار تود أن تصرخ حتى يفر الأسى.. وتذوب الصدمات.. وتعيد ترتيب ذاتك. كثير أولئك الذين يكونون قريبين منك جدا.. تتعلق بمودتهم.. ويظهرون لك مشاعر مختبئة.. قد يكون خلفها عكس ما يظهر.. لكنك تتعامل معهم بحسن ظنك. أحيانا قد يكون أكثر واحد نفعته هو نفسه أكثر واحد يضرك.. وتذكر قد أنت لهم مثل ما كرهت لنفسك فتخذلهم.. خذلان أولئك لنا ليس بسبب طيبتنا، بل قد يكون بقصد بسبب خداع أو دونما قصد. حقيقة ليست المسألة أن تحكى قصص الطعنات، وليست القضية أن تجعل الأسماء تترنح على أوراق مهترئة.. أسوأ أمر أن يضعك أحدهم مفتاحا لدنياه، ورغباته، ويعايشك وهو يرتدي أقنعة الاستغلال، ويخلع ثقتك به ليتزين بثياب الانتهاز، خلفك حين تكون مؤثرا سيقبع أناس وراء بصرك مهما كانت صلتك بهم، أو صلتهم بك.. ففي زمن اللهو تختل كل الأدوار، وتفسد كل النفوس.. لكن كما تكون فقناعتي أن كلا منّا سيأخذ نصيبه من أخلاقه، وحظه.. وأصعب الأمور حين تريد أن تتفرغ لحياتك الجميلة.. تجد أنك أحيانا تجيد التذكر أكثر مما تجيد النسيان.. ولكني ألزمت نفسي بقناعة أن الكل سيبقى بمكانه، ومقامه مهما حدث.. وشيء يصل لمن يظن أن حياة ما تكون ناصعة من الآهات، والمحطات المزعجة.. وأيضا ذلك شيء قد يسمعه الآخر بعقله، ويبصره بقلبه ليعرف أن الزمن قد يأتيه بالغرائب، وأن الأيام قد تركل مؤخرة الأمنيات الخفيفة.. وأن الثقة لا توهب لأحد إلا لمن يستحقها أن أدركنا ذلك وعليه أن يجتهد ليعرف من يستحقها بذكاء. ويبقى القول: لتذهب للتفاؤل الذاتي وتتفكر حينها ستتقبّل حقيقة أنّك لا تستطيع السيطرة على كلّ موقف من حولك، وأنّك بدلاً من ذلك قادر على التحكّم في طريقة تفكيرك وتعاملك مع هذه المواقف، حينما تواجهك مجريات الأمور ستحاول التحكم في ردة الفعل والعواطف الناجمة وسوف تنظر إلى التقلبات التي تواجهك على أنها نتيجة أقدار الحياة. ولتطل المكوث في محطات التدبر وعندما تهيم انظر للأفق لا تتوقف حتى في أصعب الأوقات، قد يمكنك العثور على شيء ولو بسيط فيُشعرك بالامتنان لحدوثه في حياتهم.