ما يجري الآن بين روسيا وأكرانيا؛ يعيدني إلى حرب الخليج، التي ضخت من أجلها المليارات وأدخلت الرعب في ديار العرب؛ وكان السبب في تلك الحرب المجنونة، حاكم اسمه صدام حسين، بلع طعم تلك الدول. في حرب الخليج تعمدت البقاء في الرياض، بعد أن أرسلت زوجتي وأبنائي إلى المدينة ثم إلى القصيم، حتى انجلت الصواريخ الطائشة عن سمائنا. في تلك الأيام، كنا قليلاً ما نرى النساء في الشوارع، بل إن العديد من المنازل أقفلت لرحيل الأسر من المواطنين والمقيمين، وانضمام كل مجموعة من الرجال الذين آثروا البقاء إلى بعضهم. وقد انضممت بدوري إلى مجموعة من العزاب، وسكنا في منزل أحدهم على أطراف حي الربوة، وكنا نتشارك في إدارة المنزل الذي سكناه، وكان منا الطباخ ومتعهد المقاضي والمنظف، وكانت مهمتي التي لازمتني من أيام العزوبية حتى زواجي هي تنظيف الصحون، ربما لأطمئن على نظافة الأدوات المنزلية، وربما لأنني لم أكن أجيد طبخ بيضة! وكنا نتحلق كل مساء أمام المحطة التلفزيونية الأميركية البالغة الصيت، التي بدأت بثها في ديار العرب في ذلك الوقت في إشارة لا تخفى على لبيب، لتنقل الأحداث على الهواء مباشرة من أرض المعركة! وكنا لا ننام قبل الاطمئنان على أن الصاروخ الذي تعود إرساله صدام حسين على ديارنا قد سقط، خوفاً من أن يسقط علينا ونحن نيام من دون أن نأخذ حذرنا! وفي أحد الأيام عندما جاء الخبر التحذيري من أحد الصواريخ، انطلقت ركضاً إلى السطح لأراه، وكانت النتيجة أنني نزلت من السطح إلى أرض الدار حبواً من الرعب! لم تحملني رجلاي رغم أن الصاروخ سقط في طريق خريص ونحن نسكن في نهاية حي الربوة أو على مشارف حي الملز. في ذلك اليوم اقترن طيشي بفضولي الصحفي، ما تسبب لي بذهول استمر معي عدة أيام، من تسبب في حماقات حرب الخليج، لنا ولجيراننا مازال بطلاً عند بعض الناس. إن ما نشاهده من آثار للحروب في أي بقعة من العالم يعطينا رسالة واضحة، أمة لا تأكل مما تزرع، ولا تلبس مما تنسج، سوف تعاني كثيراً في أزمات مثل التي نراها الآن، وأثرت وسوف تؤثر على العالم كله. إن من يتغطى ببعض الدول في تأمين حاجاته سيظل عرياناً حتى يعود إلى أحضانها.