مع تسارع وتيرة تنامي الاقتصاد الرقمي في المملكة العربية السعودية والمنطقة بشكل عام، فقد أصبح من الواضح أن هناك علاقة مباشرة بين البنية التحتية للمدفوعات الرقمية والنمو الاجتماعي والاقتصادي، فعندما تستثمر الحكومات في البنية التحتية للتكنولوجيا المالية، فإنها تفتح بذلك الباب على مصراعيه أمام فرص اقتصادية جديدة، وتسرّع من الشمول المالي، وتعزز ناتجها المحلي الإجمالي. وفي هذا الصدد يقول عبدالله العثمان، رئيس ومؤسس شركة جيديا، يعد تطوير منظومة رقمية قوية، على رأس أولويات صانعي السياسات في المملكة ، إذ أنه يمثل أحد العوامل الرئيسة العديدة التي تدعم تحقيق رؤية السعودية 2030، فبلادنا تتمتع بواحدة من أعلى معدلات انتشار الهواتف الذكية في العالم، بنسبة تزيد عن 80٪، وقد سبق لمؤسسة النقد العربي السعودي أن أعلنت في عام 2022، أن معدل الانتشار الكبير هذا يمثل أحد أهم أسباب تزايد محطات نقاط البيع بنسبة تجاوزت 40% خلال عام واحد فقط، من 721,000 نقطة بيع في نهاية عام 2020، إلى أكثر من مليون نقطة بحلول نهاية عام 2021. ويشير هذا الأمر أيضًا إلى أن هناك نشاطًا محمومًا وغير مسبوق في تزايد أعداد رواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة الطموحة في المملكة، وهناك المزيد من أصحاب الأعمال الذين يعتمدون في أعمالهم على خدمة دفع رقمية معقولة التكلفة وذات انتشار واسع. وتواصل الحكومة السعودية انطلاقًا من هذه الوقائع، إطلاق العديد من المبادرات لضمان استفادة المملكة من منظومة رقمية قوية. الدعم الحكومي وقد ساهمت مؤسسة النقد العربي السعودي في تعزيز هذا الزخم العالمي القوي لمنظومات الدفع الإلكتروني، وذلك بإطلاقها نظام المدفوعات الفورية "سريع" في عام 2021، والذي يمثل الأساس المتين للمبادرات الجديدة في مجال المدفوعات، ويشجع الشمول المالي، ويتيح تنفيذ تسويات مدفوعات أكثر ملاءمة وسرعة. وبالتوازي مع ذلك، تبرز العديد من الجهود المتضافرة لتوسيع نطاق إطار العمل الخاص بالخدمات المصرفية المفتوحة في المملكة، ويشير التقرير السنوي لفنتك السعودية 2021، إلى أن أكثر من 90٪ من شركات التكنولوجيا المالية في المملكة تولي اهتمامًا أكبر بتطبيقات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وواجهات برمجة التطبيقات، والتي تُستخدم جميعها في الخدمات المصرفية المفتوحة. وتعكس هذه النسبة الهائلة الاهتمام المتزايد بالخدمات المصرفية المفتوحة، والتي من المتوقع أن تقود إلى تحسينات في المنتجات والخدمات الرقمية للعملاء. ويضيف العثمان، "ترتكز تلك الجهود على زيادة انتشار قبول المدفوعات الرقمية في المملكة، إذ أن وتيرة إدخال مختلف تقنيات الدفع الإلكتروني إلى المملكة كانت هائلة بالفعل. ويمكن لأي متسوق في المملكة اليوم الدفع باستخدام العديد من الطرق، مثل Apple Pay وSTC Pay ومدى Pay، فضلًا عن العديد من المحافظ الإلكترونية الأخرى. وقد عملنا في جيديا مع العديد من أصحاب المصلحة لتعزيز قبول خدمة Apple Pay. وساعد دمج هذه الخدمات في تسهيل تبنيها، وتعزيز انتشارها وتوافرها كخيار للمستهلكين أينما كانوا. ويعد اعتماد حلول اتصال المجال القريب جزءًا مهمًا آخر من البنية التحتية سهلة الوصول، والتي تساهم في تعزيز انتشار المدفوعات الرقمية في كل مكان. وقد أشار استطلاع رأي أجرته مؤخرًا شركة فيزا، إلى أن المملكة العربية السعودية تتمتع بأعلى معدل تبني المدفوعات اللاتلامسية بتقنية اتصال المجال القريب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ تصل نسبة تلك المدفوعات إلى 94٪ من جميع المدفوعات التي تتم أثناء التسوق داخل المتجر. ومن الواضح جدًا أن مستوى انتشار المدفوعات القائمة على تقنية اتصال المجال القريب في المملكة هو أعلى من معدل انتشارها في أوروبا (80٪) وكندا (76٪) وهونغ كونغ (79٪). كما احتلت المملكة المرتبة الأولى في تبني المدفوعات القائمة على تقنية اتصال المجال القريب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تليها الكويت (81٪) والإمارات العربية المتحدة (81٪). ولا شك بأن هذا المستوى غير المسبوق من قبول هذه المدفوعات في المنطقة يعكس المكانة الرائدة للمملكة في مجال المدفوعات الرقمية. كما يشير استطلاع رأي حديث آخر إلى أن مبيعات التجارة الإلكترونية ستنمو لتصل إلى 50 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2022، مع تصدر المملكة لهذا المشهد بمعدل نمو سنوي حالي يبلغ 39٪. ومن الأسباب التي تقف خلف هذا النمو، زيادة انتشار التسوق عبر الإنترنت، وتحسّن قدرة الحصول على تمويل رقمي، فضلًا عن التحسينات التي تشهدها الخدمات اللوجستية وخيارات التوصيل، واتجاه العلامات التجارية بشكل متزايد نحو استراتيجيات التعامل مباشرة مع المستهلك. ولا تزال التجارة الإلكترونية حتى الآن في بداية الطريق، ومن المتوقع أن نشهد انتشارًا أوسع لها مع تحسن التكنولوجيا، واستخدام البيانات الضخمة بشكل أفضل، وتعاون المزيد من الشركات معًا في هذا المجال.