بين ازدحام الطرقات والميادين في جميع أنحاء الوطن الكبير المملكة العربية السعودية احتفالاً بيوم التأسيس الأول، وهو الأول لأن الاحتفال به يحدث للمرة الأولى فعلاً، إذ صدر أمر ملكي كريم يحدد يوم الاحتفال بهذه المناسبة ليكون في اليوم الثاني والعشرين من شهر فبراير لكل عام، وأما سببنا الثاني فلأنه يخلّد ذكرى قيام الدولة السعودية الأولى قبل ما قارب الثلاثة قرون. إن المملكة إذن ستحتفل بدءاً من هذا العام بيومين وطنيين في السنة ليكونا يومين راسخين في أطناب التاريخ. اليوم الوطني، وهو يوم اكتمال الوحدة في المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيّب الله ثراه- وذلك في الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1932م، وأما يوم التأسيس فهو يومٌ تأسست فيه الدولة السعودية تحت حكم أول الأئمة السعوديين محمد بن سعود -رحمه الله- وذلك في الثاني والعشرين من شهر فبراير لعام 1727م. وفي الواقع إن اليومين المجيدين يتألقان عبر نواة الدولة السعودية الحديثة، فاليوم الوطني، هو اليوم الذي تشكلت فيه المملكة وانطلقت واتسعت، فيما تلاه من عصور عبر رحلة البناء حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الساعة من مكانة كُبرى على الخريطة العالمية. وأما يوم التأسيس، والذي نتحدث عنه في هذه المقالة، فإنه اليوم الأول لقيام أول كيان دولي ملتئم الشتات ومكتمل الأركان في هذه الجزيرة بعد دولة الخلافة الراشدة، إذ سُلبت الجزيرة العربية كلمة الوطن بعد التدخل العثماني، وقبل قرون بعد هجرة الأمويين من الحجاز، وتكوين دولتهم بعيداً هناك، وكذلك هجرة العباسيين من مكة إلى العراق، وتكوين دولتهم عقباً للدولة الأموية. في المراحل التاريخية التالية للخلافة الراشدة، وانطلاقاً من الدولتين الأموية والعباسية، ثم ما تلاهما من دول على امتداد التاريخ لم تكن منطقتنا الحالية لتعرف هياكل الدول ولا أبجديات الحكومة، فقد كانت الحياة الاجتماعية والسياسية فيها إما قبائل تقوم فيها بدور دويلات، وإما مجتمع قروي في بلدة يقوم فيها أيضاً بدورٍ شبيه بالاستقلالية، أو دولة صغيرة ضعيفة لا تملك من أمرها شيئاً في مقابل الدول الكبيرة على الجوار. لم تكن الدولة الأموية ولا حتى العباسية وما تلاهما من دويلات في هذا الموطن العربي لتهتم بالجزيرة العربية بقدر اهتمامها بالمحيط الصغير الذي بدأت به، مما يجعل المنطلق الرئيس للإسلام يعيش في اغتراب طويل الأمد. استمر الحال عدة قرون حتى هيأ الله لهذا الوطن الشاسع رجلاً، والرجال قليل، ألا وهو محمد بن سعود، أعاد له مكانته التاريخية، وربطه بالقرون الأولى التي نشأ منها كيان ورسالة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، ونشر مظلة الوطن بمفهومه الحقيقي على أركان واسعة من الجزيرة العربية، فالتحمت القبائل والعرب تحت رايته، ودخلت القرى والبلدات في حكمه تباعاً، مما جعله أول حاكم عربي مسلم يكوّن مفهوم الدولة في جزيرة العرب بعد رسالة خالدة وكيان الخلافة الراشدة. إن أهمية يوم التأسيس لا تتمحور فقط في كونه يوم التأسيس بل يوم دولة قوية عادلة أنعم الله بها على السعوديين بأمان واستقرار وكيان قوي متين، كون للإسلام مقراً ثابتاً وأهمية تاريخيةً في هذا الكون الفسيح.