لمسرح المقهى الذي ظهر في فرنسا أواخر الستينات الميلادية ثم انتشر في بقية الدول ميزة التواصل السريع والتفاعل المباشر مع الجمهور، حيث يعد هذا النوع نقلة نوعية في مراودة الجماهير مسرحياً في فضاءات غير تقليدية بهدف استعادة نكهة المسرح الشعبي وتقريب المسرح من المتلقين، لا سيما ولسان حال جمهور المسرح اليوم في أزمنة الثقافة السائلة يقول: «نحن لا نحتاج إلى مزيد من المسرحيات التي تبتعد عنا؛ بقدر ما نفتقر إلى وجود ممارسة مسرحية في أماكن حميمية». يأتي المقهى المسرحي ضمن لائحة بعض الأشكال المسرحية غير التقليدية التي لا تحظى بإرث محلي حتى وإن كانت مسبوقة محلياً بشكل مسرحي في القرى وبعض النواحي يدعى (العجبة) ومن يؤديه يسمى (المعجباني) وهو فن غرضه التسلية، وقد ذكر لي أحد كبار السن أنه في إحدى النواحي في تهامة الباحة برع رجل وزوجته في أداء فن يدعى (العُجبة)، حيث يقلدان بعض الظواهر ويجسدان بعض المشاهد مستفيدين من قدراتهما في التلوين الصوتي وسرعة البديهة والقدرة على اجتراح الطرفة والمعنى المضحك، فيمارسان معاً ما يضحك الحضور في بعض المناسبات كنوع من التسلية حتى يحين موعد الوجبة. حيث ينفض السامر غالباً نحو العرضة والزير وهو يتقاطع على درجة ما مع مسرح المقهى، وإن كان في الغالب مسرح المقهى ينبع من الحاجة للتعبير عن حالة شعورية خاصة. ما يبهج هو ظهور بوادر حركة مسرحية في المقاهي، حيث سجلت مسرحية ملف إنجليزي تدشيناً لهذا النوع من المسرح، قدمها المخرج صالح إمام عن نص فهد الحارثي «ملف إنجليزي»، وأداها الممثل عايض الشهري. الأجمل هنا أن هذا الشكل المسرحي جاء بتحريض مباشر من الدراسة الأكاديمية، حيث كان لإحدى الباحثات في مرحلة الماجستير في الأدب المسرحي بجامعة الملك عبدالعزيز أمينة بسيوني دور ظاهر في التوجه نحو تطبيقه، لتكون التجربة مدعومة بالبحث العلمي سواء عن مدى نجاحها أو مميزاتها، وما يتعلق بالنصوص المعدة لهذا الشكل المسرحي، أو الأداء التمثيلي وشروط النجاح فيه، ودراسة مواصفات الجمهور وتفضيلاتهم الفنية، وهذا يضعنا إزاء حالة مسرحية جادة نادرة الحدوث تجمع بين الفن والدراسة العلمية ما يزيد من فرص نجاح مسرح المقهى.