يتمثل نجاح أي مشروع خدمي بمختلف أنواعه بمدى الوصول إلى فهم شامل وعميق لفئات المستخدمين له أو المتأثرين منه؛ ويتوقف ذلك على مدى قدرة المُخطط في التوفيق بين مصالح المستفيدين والمتأثرين من المشروع بشكل عادل ومتوازن دون تحيز لفئة على حساب الأخرى. "الرياض" طرحت تساؤلات على مختصين في التخطيط والإدارة، من أبرزها أهمية إشراك فئات المجتمع في الخدمات والمشروعات التي تنفذ في المدينة، وهنا أوضح د. وليد الزامل - الأستاذ المشارك ورئيس قسم التخطيط العمراني في جامعة الملك سعود - أن إشراك المجتمع يساعد على تحسين جودة المشروع؛ بل والمساهمة في تجنب الآثار السلبية المتوقعة من المشروعات المقلقة للراحة مثل المصانع، ومولدات الطاقة، والمستودعات أو المجمعات الكبرى والتي تؤثر على تدفقات الحركة المرورية القريبة من الأحياء السكنية، وفي المجمل تسعى عملية المشاركة المجتمعية لمقاربة الفجوة بين احتياجات ومتطلبات المجتمع وطبيعة المشروع المستهدف، وبالتالي إزالة أي غموض حول المُنتج العمراني وطبيعته وأهدافه. استقصاء وافٍ وقال د. الزامل: إن تحقيق نتائج فاعلة من المشاركة المجتمعية يقتضي استقصاء وافي لاحتياجات كافة فئات المجتمع بما فيهم الفئات المستضعفة أو المحرومة؛ وبشكل يتزامن مع فهم دقيق للخصائص الاجتماعية والاقتصادية وضمن إطار المصلحة العامة، وتأتي المشاركة المجتمعية في عملية التخطيط العمراني أو تطوير المشروعات العمرانية كمطلب رئيس لنجاحها، فالمجتمع لا يعيش بناء على رغبة المُخطط أو المصمم العمراني، لافتاً إلى أن مبدأ المشاركة يستند على أن من يتأثرون بالبيئة العمرانية لهم الحق في تطويرها وإضافة أي مدخلات مستنيرة تنعكس إيجاباً على المشروع، ومن هذا المنطق، فإن غياب مبدأ المشاركة سوف يؤدي إلى عزل المجتمع وتطوير حلول ارتجالية غير مضمونة العواقب، كما أن استبعاد المشاركة المجتمعية في التخطيط سوف يقلل من ثقافة الانتماء للبيئة العمرانية؛ فالمجتمع لن يتفاعل مع خطط أو مشروعات عمرانية لا تخدمه، ولا يشعر أنه جزء منها أو لم يشارك حتى في تطويرها وعليه فسوف يقاوم أي تغيير مستقبلي. بشكل جدي وشدّد د. الزامل أن المشاركة المجتمعية يجب أن تؤخذ بشكل جدي من قبل صانعي السياسات العمرانية سواء عند تطوير الخطط العمرانية أو حتى دراسات التأثير المحيطي للمشروعات، فالمشاركة المجتمعية إذا تم توظيفها في إطار غير جاد يمكن أن تكون وسيلة لإضاعة الوقت والبيروقراطية والتعقيد الإداري، وهكذا، تظل عملية المشاركة المجتمعية متوقفة على مدى إيمان المجتمع بدوره ومدى إمكانية الأخذ برأيه والقناعة الراسخة من قبل صانعي القرار بجدوى إشراكه. وفي معرض إجابته على تساؤل حول ما إذا كانت المشاركة المجتمعية مقتصرة على الجهاز البلدي الخدمي أكد على أن المشاركة المجتمعية لا يقتصر نطاقها في الجهاز البلدي؛ بل تعد ثقافة سائدة وجزء من خطة المشروع العمراني، وهي بالتأكيد لا تُختزل بمجرد الاستماع إلى آراء السكان والاستئناس بمقترحاتهم ضمن إطار رمزي؛ بل تمكين المجتمع من التأثير الفاعل في مطبخ صناعة السياسات العمرانية وبالتالي التأثير الإيجابي على صُناع القرار والعمل جنباً إلى جنب في مناقشة نقاط القوة والضعف في المشروع. انعكاس سلبي ورأى د. الزامل أن غياب المشاركة المجتمعية في العملية التخطيطية عموماً سوف يُؤدي إلى تطوير بيئات عمرانية مترهلة، بعيدة تماماً عن احتياجات المجتمع، وسوف ينعكس ذلك سلباً على المدن وجودة الحياة، وعندئذٍ تصبح البيئات العمرانية محل اجتهادات فردية غير قابل للقياس، لكونها مبنية على افتراضات أشبه بردود أفعال أو قرارات جامحة، ليست نابعة من نموذج مبني على خطة استراتيجية شمولية، مختتماً حديثه بأن المشاركة المجتمعية في عملية التخطيط قائمة على الاعتراف بحق المجتمع كشريك ضمن مجموعة أصحاب المصلحة، لذلك، فإن نجاح المشروعات العمرانية متوقف على قدرة المجتمع بالتفاعل والمشاركة وبشكل يترجم الاحتياجات ويحافظ على كفاءة واستدامة الموارد. رصد ومراقبة وتحدث م. سليمان بن حمد البطحي - مستشار إداري - قائلاً: إن عملية التواصل مع جمهور المستفيدين تفتقر إلى إمدادهم بمعلومات كافية وبسيطة وواضحة بشأن المشروعات والمبادرات والخدمات التي تقوم بتنفيذها الجهات العامة والخاصة، كي تخلق شراكة حقيقية تعظم الاستفادة مما يقدم لهم، وإضافة قيمة نابعة من هؤلاء المستفيدين تسهم في تحسين الأداء والمحافظة على المكتسبات.وحول كيفية الاستفادة الإيجابية من جمهور المستفيدين؟ أوضح أن تفعيل الدور الإيجابي لجمهور المستفيدين يخدم الجهات والأجهزة المعنية على تحقيق أعلى استفادة من المبادرات والمشروعات والخدمات التي تقدمها، بل ويساعد في الرصد والمراقبة وسرعة إزالة أي معوقات قد تظهر أثناء أو بعد، والمتابعة بشكل أفضل وأقل تكلفة، ويدعم الجهود التي تبذلها الدولة - حفظها الله - لخدمة عموم السكان. فريق خاص وأشار م. البطحي إلى أن فكرة إشراك المستفيدين تتمثل في تعريفهم بالمشروعات المختلفة والخدمات المقدمة لهم، والخطط المستقبلية في مناطقهم وكيفية تلقي شكواهم وملاحظاتهم وطريقة متابعتها بشكل واضح وسهل جداً، كذلك تزويدهم بتقارير دورية مصورة ومقاطع عن المبادرات والمشروعات والخدمات، وكيفية تعامل الجهة مع القصور والتعثر والخلل وسوء الإدارة إذا وجدت، ومنها أيضا إشراكهم بطلب إبداء المرئيات في المشروعات والخدمات المنتهية، تحت التنفيذ، المستقبلية، وفي تقييم جودة ما يقدم، والمساهمة بأفكارهم - كمستفيدين - في التطوير وتحديد ما يحتاجون إليه لتكون ضمن الخطط المستقبلية، ذاكراً أهمية تقدير وتقديم الشكر للمستفيدين على إيجابيتهم ومشاركتهم بما يقدمونه من إسهامات لخدمة المصلحة العامة، مضيفاً أنه لإنجاح ذلك فلا بد من إيجاد فريق خاص لهذه المهمة يتواصل مع جمهور المستفيدين، ويتواصلون معه مباشرة، يعرفهم، ويزودهم، ويرفع التقارير إلى الجهات التخطيطية والتنفيذية والتشغيلية ويتابعها ويشركهم في الأمر الذي يعنيهم. د. وليد الزامل م. سليمان البطحي