وقت عملي في اليابان منذ سنوات طويلة، كان هنالك رئيس لبعثة دبلوماسية شرق أوسطية اشتهر عنه الفساد والممارسات غير السوية. وفي يوم من الأيام ضرب العاصمة طوكيو زلزال قوي نسبياً لكن ليس إلى الحد الذي تنهار معه المباني أو تسقط بسببه الأواني. وما كان من ذلك المسؤول إلا وقام عمداً بتكسير اللوحات وإسقاط التحف وإتلاف الأثاث والتقط الصور وبعثها إلى بلده في تقرير ليطالب بتعويضات وميزانية لتأثيث المكاتب ومنزله من جديد بحيث يستطيع التلاعب فيها. كانت تلك الحادثة مثل صفارة بدء السباق لذلك المسؤول وموظفي مكتبه لحفلة الفساد التي انتهت بعقاب وإجراءات صارمة بعد سنوات حيالهم جميعاً. هذه الحادثة ذكرتني بنظرية شهيرة في علم الاجتماع تحت مسمى (النافذة المكسورة) والتي مختصرها أن إهمال معالجة المشكلات مهما كانت صغيرة سيؤدي إلى استفحال الوضع وتعقد الأزمة بتأثير سلبي على سلوكيات الناس وتصرفاتهم. وبالمقابل فالتعامل بحل أي مشكلة مهما كان حجمها سيترك أثراً إيجابياً وتفاعلاً أفضل من الناس في تلك البيئة. وأصل هذه النظرية يرجع إلى عام 1969م مع خبير علوم النفس والاجتماع السيد فيليب زيمباردو الذي ترك سيارتين بأبواب مفتوحة ودون لوحات أرقام في حي فقير وآخر غني. وكانت النتيجة أن سكان الحي الفقير بدؤوا مباشرة بسرقة وتخريب السيارة وتفكيكها بعد دقائق إلى أن قضوا عليها تماماً بعد ثلاثة أيام. في الجانب الآخر وفي الحي الذي يسكنه الأثرياء استغرق الأمر وقتاً طويلاً دون تحرك فعلي تجاه السيارة الواقفة. فقام بعدها السيد زيمبادو بتكسير إحدى النوافذ في السيارة لتبدأ بعدها عملية كسر بقية النوافذ وسرقة السيارة ومكوناتها حتى صارت هباء منثوراً. وبالعودة إلى ذلك المسؤول الذي كسر التحف وخرب الأثاث، فأكاد أجزم أن تلك الأفعال سبقتها خطوات وممارسات لم تجد من يردعها، مما شجع ذلك الشخص على التمادي في غيه وتشجيع تلك الثقافة الفاسدة في محيطه. وكما يقول خبير تقنيات السيارات الأسبق بشركة ميتسوبيشي (كيكوتشي شيجيهيتو): "لو أن فرداً واحداً مهملاً تواجد في الفريق فذلك خطر على المنظومة كلها". وختاماً، كما أن شرارة صغيرة قد تتسبب بحرائق ضخمة وخسائر مهولة، فإهمال صغير وتجاوز بسيط قد يتفاقم لنتائج كارثية. وهنا تأتي مسؤولية القائد بالنصح والإرشاد والتوعية وإذا تطلب الأمر الحزم في التعامل الصارم مع التجاوزات والمخالفات، فالأمر قد يكون كالتعامل مع استئصال ورم سرطاني خبيث بكل سرعة قبل أن يقضي على حياة الإنسان المصاب. ودون شك فمن المهم أن يكون القائد هو القدوة والشخص المبادر دوماً في الالتزام بالأنظمة والتعليمات وتطبيق الممارسات الإيجابية التي ينادي بها. وباختصار، كُن المدير الذي يمسح النافذة ويحافظ عليها نظيفة سليمة ويعالج أي خدش أو كسر بها مباشرة، وإياك ثم إياك أن تكون المدير الذي يكسر النافذة أو يسمح للآخرين بكسرها!