اطلعت على ما دونته الأخت نورة بنت إبراهيم الخلف في الملحق الثقافي بجريدة الرياض يوم 5 جمادى الآخرة 1443 ص12، فألفيته ذا تحرير جيد يصب نحو مصب يحتاجه المعنيون في نظر أسفار الأولين ممن دون في علم البلاغة لاسيما الذين يتلقون العلم في الأساسيات والركائز تترا، ولقد وجدت في كثير من الندوات العلمية وبعض المؤتمرات كلمات وحوارات ممن ألقي اللوم عليهم صوب إهمال البلاغة فيما يكتب أو يلقى، بل لعلي قد وجدت شبيهاً لهذا في كثير من الرسائل العلمية وبعض المؤلفات من علماء وكتاب ومثقفين. وهذا ولا جرم أرى أنه خلل في التلقي الأول إبان الطلب في المتوسطة والثانوية، وليست الجامعات منا ببعيد في بعض الدول العربية، واللوم أصبه على المعنيين في مجال كهذا المجال، والبلاغة أصل في جمال وتزيين ورصف الكلام، وأي كلام من عالم أو قاض أو محقق أو باحث أو مدرس أو مثقف يخلو ما يقوم به من البلاغة فإنه ليس بذاك، ولعل السمع ينفر منه والذوق يمجه. وهناك كتب سلف عليها الدهر عبر القرون الطوال فبجانب ما فيها من روايات مكذوبة وقصص لا سند لها وأخبار أساطيرية، فإنها حين خلت في بعض المواطن من البلاغة دل هذا على أنها كتبت وتم تصنيفها من حاطب ليل وصائد الغث والقابض على كل هش، فتدبر الأغاني أو مروج الذهب أو مقاتل الطالبيين أو البيان والتبيين أو خاص الخاص، فسوف تجد البلاغة في بعد سحيق، ولا نخلط بين علم اللغة وعلم البلاغة، فالبيان والتبيين للجاحظ لغته جيدة لكنه أسف في البلاغة مع إيراده الأخبار والروايات التي لا أصل لها بعد نظرها وتدبرها من خلال علم الأسانيد والجرح والتعديل. كذا مثله الأغاني وقد أسف كثيراً في طرح ما ليس له أصل، كما جاء في كتاب نقد آراء العلماء والمؤرخين ومروياتهم، وهو متداول كثيراً، واهتبلته المجامع العلمية واللغوية بحيث أصبح مرجعاً للأخطاء تلك التي وقعت خلال العهود المتطاولة. ومصطلحات البلاغة متيسرة في هذا الحين لكثير من العلماء، لكنها من قبل أوفر، ولست أبعد النجعة اليوم لو قلت: لم يطلع عليها إلا القلة ولعل البعض اطلع، ولكن دعوى العجلة وتخييم العاطفة على التدبر العقلي المكين هو لعله ما جعل قومي اليوم يبتعدون عنها كبعد الخفيددي، لكن الأمل بالله سبحانه وتعالى قوي لنهج حي جديد، فإن الناس من علماء ومثقفين وأدباء ومحققين وكتاب لم يزالوا يسعون إلى الخير وينشدونه، وليس أجل من تدبر الكتاب الكريم الذي أذعن له أئمة الشعر والخطباء والحكماء على تدارس الزمن، وإدمان نظره وقراءته من خلال العقل الذي هو مناط التكليف يعلي ناظره ومتدبره علواً كبيراً في معارج البلاغة وحسن الوصف والرصف.