يضع معظم الباحثين في ميدان الأدب الشعبي كلَّ الحكايات الخرافية أو الأسطورية في سلّة واحدة، من دون أي تصنيف أو تدقيق في الخصائص التي يمكن أن تميز مجموعة من تلك الحكايات عن مجموعة أخرى، مع أنّ الناظر في الأساطير الشعبية يلحظ وجود أنواع تتميز شكلاً ومضموناً عن سائر الحكايات، ومن بينها، على سبيل المثال، ما يُسمى "حكايات الأسباب"، وهو حكايات شعبية ذات بناء بسيط وموجز ويكون القصد منها محاولة البحث عن إجابة لسؤال يتعلق بخلق الكائنات أو بتفسير الظواهر الطبيعية الغريبة التي لا يفهم الإنسان البسيط حقيقتها. فالراوي الشعبي لا يمتلك، غالباً، إجابات علمية للتساؤلات المطروحة من الناس، وغالباً من صغار السّن الذين لا يعرفون التردّد في طرح الأسئلة ولا تتوقّف أفواههم عن التعبير عن كل ما يدور في رؤوسهم الصغيرة، فيلجأ الراوي الشعبي لخياله الواسع لينسج لنا حكاية ممتعة يُقدِّم في ختامها تفسيراً للظاهرة أو إجابة على السؤال المطروح المحيِّر. تحاول الحكايات الأسطورية الإجابة عن أسئلة عديدة تبدو بسيطة من نوع: "لماذا تهز الكلاب ذيولها؟"، "لماذا لا يستطيع الديك الطيران؟"، "لماذا تعيش العناكب دائماً في زوايا الأسقف؟"، "كيف صار للقملة خط أسود رفيع في أسفل ظهرها؟"، ولكن ينبغي للمتلقي ألا يتوقع الحصول على تفسير واحد أو إجابة واحدة، فالإجابة قد تختلف باختلاف الثقافات الشعبية وقد تتعدد بتعدد الرواة، فمن الأسئلة التي طرحتها الحكايات الأسطورية: لماذا لا يظهر الخفاش إلا ليلاً؟ وتُعلل حكاية شعبية من نيجيريا ذلك بأن الخفاش دأب على الهرب والاختفاء من الملك الذي أمر بالقبض عليه بعد احتياله على صديقه الجرذ وتسببه في موته بدافع الغيرة منه. وفي حكاية نيجيرية أخرى يكون سبب خروج الخفاش ليلاً هو شعوره بالخجل والعار بعد أن احتالت عليه السلحفاة انتقاماً لصديقتها النعجة. وذكر الأستاذ عبده خال في أساطير تهامية أن المعتقدات الشعبية تشير إلى أن الخفافيش "تهرب في النهار ولا تظهر إلا ليلاً هرباً من الدائنين"! ونقل دينيس بيير في (قصص الحيوان) حكاية أسطورية جميلة تتحدث عن سبب طيران الخفاش ليلاً، وجاء فيها أن الحيوانات والطيور حكمت على الخفاش بالطيران ليلاً عكس الطيور الأخرى بعد ثبوت احتياله على الطرفين في العديد من المعارك الطاحنة التي دارت بينهما، فقد لوحظ أن الخفاش المحتال كان يتسلّل إلى جيش الطرف المنتصر قبل نهاية كل معركة زاعماً انتماءه له، فحين تنتصر الطيور على الحيوانات يقول: أنا واحد منكم، هل رأيتم حيواناً له جناحان مثلي؟ وحين تنتصر الحيوانات ينضم إليها قائلاً: أنا منكم، انظروا إلى فمي، أسناني مثل أسنانكم! وهذه الحكايات الشعبية الأسطورية في تعليل خروج الخفاش ليلاً ليست سوى نموذج يوضح أن الراوي الشعبي لا يبحث عن إجابات منطقية مقنعة، فالإجابة بالنسبة له مجرد وسيلة يتوصل بها إلى الغاية الأهم وهي القيام برحلة حكائية تحقق المتعة للمتلقي الذي يفترض الراوي أنه يُعنى بها أكثر من عنايته بالمعرفة أو بالحقيقة.