بداية نحمد الله سبحانه وتعالى على نعمه الدائمة، ونبارك لأنفسنا ووطننا وقياداتنا بمناسبة صدور الميزانية العامة للدولة. في الحقيقة لست هنا بصدد الحديث عن التفاصيل والأرقام الفعلية لميزانية العام 2021م والأرقام المقررة لموازنة العام 2022م والتي توافقت بشكل كبير مع البيان التمهيدي الذي جعلها متاحة للجميع قبل الإعلان. أودُّ الحديث عن التغييرات الهيكلية والجوهرية في المالية العامة للدولة، التي بُنيت على منهجية واضحة باتت أقرب ما تكون إلى النظام المحدد الذي يصعب تغييره والحياد عنه كما كان يحدث في الماضي. حيث يمكن قراءة ميزانية 2021م من خلال ركيزتين أساسيتين: الأولى تتمثل في تنفيذ عملي للسياسة الاقتصادية الشاملة التي ترتكز في الأساس على ضمان الاستدامة المالية تفادياً للصدمات، والهزّات الاقتصادية، ويأتي ذلك من خلال تنويع مصادر الإيرادات الحكومية من جهة ورفع كفاءة الإنفاق من جهة أخرى. والركيزة الأخرى من خلال تنفيذ تعديلات هيكلية شاملة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية يتم تطبيقها على منهجية احتساب الإيرادات المتوقعة، وضبط المصروفات والنفقات والتخطيط لها حسب البرامج المحددة مسبقاً. أما في الحديث عن الموازنة المقررة للعام 2022م، فهي بالمجمل تؤكد ثبات واستمرار خطة تنفيذ رؤية 2030 من خلال التركيز على المحاور الرئيسة التي تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني، فعلى سبيل المثال: هناك توجه واضح في الاستمرار في تحسين الخدمات الحكومية واستخدام التقنية بشكل أكبر وتطوير البنية التحتية ليس فقط من خلال ما يعتمد في موازنة الدولة إنما من خلال دعم منظومة تطوير البنية التحتية من خلال الصناديق الوطنية المتنوعة وصندوق الاستثمارات العامة، ونلاحظ استمرار العمل على تحقيق برامج الرؤية ومستهدفاتها وتفعيل منظومة الدعم والحماية الاجتماعية أيضاً. كما يظهر جلياً من خلال قراءتي للموازنة بالنظر لما حصل في السنتين الأخيرتين من تعامل الدولة مع جائحة كورونا وآثارها الاقتصادية والاجتماعية على مستوى العالم، حيث أصبحت إدارة المالية العامة للدولة تتم وفق آلية صحية تقوم على مبدأ الشفافية وتغليب المصلحة العامة طويلة المدى على القرارات الارتجالية ذات العائد المحدود، وتظهر كذلك بعض الموضوعات المهمة التي ينبغي الحديث عنها كالاستدامة المالية وهيكلة الإيرادات التي سأتحدث عنها في مقال مقبل. ولا بد في الختام أن نشكر وزارة المالية ورجالاتها على جهودهم المميزة في العمل على تفعيل مبدأ الشفافية والتواصل الذي ظهر من خلال النهج المتبع في التقارير الدورية الربعية والبيان التمهيدي كذلك.