قال لي والدي رحمه الله وأنا صغيرة (التفاحة الفاسدة تُفسد جميع التفاحات الجيدة في الصندوق) فكنت كلّما رأيتُ صندوق تُفّاح أقوم بالبحث عن صدق كلام والدي وأنتظر التفاّحة الفاسدة وفي اليوم الخامس أو السادس أندهِش وأُسرع لوالدي وأحكي له عن ما رأيت وأن هناك تفّاحة طرفهُا مُتهالك وفاسِد وبجانبها تفّاحات بدأت تَفْسد، شرح لي كلاماً طويلاً عن الصداقة واختيار الصديقات وتظاهرت بأنني فَهِمت والحقيقة أنّني (مثل الأطرشِ في الزفّة) توفي والدي العظيم وبقِيت هذة الجُملة عالقة في ذهني وسمعتها أيضاً من إحدى مُعلماتي الفاضلات حينما كانت تشرح لنا في المرحلة المتوسطة درساً في كتاب (المُطالعة) وكأنني بدأتُ أفهم قليلاً وأستوعب أنّ القرين بالمُقارنِ يقتدي، وأن الصّاحب ساحب، وتدرّجت في مراحل الحياة ووجدت بالفعل أن حديث والدي عن التُفّاح لم يكُن تجربة فيزيائية (كنتُ أظنّه هكذا) بل من خبرته في الحياة ومدى حكمته ورجاحته وعلاقاته المتعددة مع مُختلف البشر، رأيت تفّاحا فاسدا وليست تفّاحة واحدة وأفسد الصندوق بأكمله، بل رأيتُ شجرة تُفّاح كاملة فاسِدة وفسادها أصبح ضرراً على الهواء النقي وكُلُّ من يمُر بجانبها، ما أرنو اليه وأقصده أن الشّخص الفاسد اخلاقيًّا وسلوكيًّا يُصبح مؤذيا لمن حوله بل وقد يسحبهم لوحله، ويُسقِطُهم في حُفرةِ فساده، التفّاح الفاسد موجود في حياتُنا، عمَلِنا، شارِعُنا، لن نستطيع تصليحه وليس في مقدرونا أن نجعله يعودُ تُفاحا صالحا ناضجا، ولكننا نملك العقل والتمييز والاختيار، في أن نبعُد عنه وعن فساَدِه، نستطيع أنْ ننسحب مِن عَفَنِه وتلوّثه قبل أن يُصيبُنا ويستدرجُنا الى تُربَتِه غير الصاَلِحة. لا تستهين بأنك انسان ناضج ولن يستطيع الفاسد أن يُفسدك لأنك بزعمك تقول (أجلس معه لأني أُحبُّ نوادره وطرائفه وليس لي أي علاقه بسلوكِه) انتبه جيّداً قد تنضم الى عالمِه تدريجياً بدون أن تُخطّط لذلك. اليوم أردّد هذة الجُملة لابني (التفّاحة الفاسدة تُفْسِدُ التفّاح كلّه) وغداً سيكْبُر ابني وسيتذكّر ماقلته له. الزمن يُعيد نفسه رحم الله والدي رحمة واسعة، وجعل الله طرُقُنا مفروشة بورود الانقياء، وسماؤنا صافية بنوايا الأصدقاء الصالحين غير الفاسدين.