مسؤول رش العطر بالمدينة، كانت وظيفة النجم محمد هنيدي في إحدى حلقات مسلسله "أرض النفاق"، كانت المدينة مختلفة، الحياة مختلفة، وصل الأمر من الرفاهية أن يكون هناك شخص يومياً يرش العطر في هذه المدينة، مركز شرطة المدينة مختلف الحال فيه، لا يوجد جريمة، استقبال المواطنين مختلف بالورد والأحضان، الموسيقى حاضرة بين الأرجاء، ترف في جودة الحياة غير طبيعي، حتى وصل الأمر أن يصحو هنيدي من نومه ويعيش الحقيقة الصادمة وهو نائم ما بين القاذورات والمجتمع المختلف، ولم يكن رشه للعطر كمسؤول عنه إلا حلم لم يدم طويلاً! مدينة أفلاطون الفاضلة تعداها بالأحلام والتفكير مسؤول رش العطر، ولكن مثل هذه الأعمال الدرامية وربطها بالواقع بصورة تهكمية نجد أنها أصبحت واقعاً نعيشه حالياً مع الكثير ممن ينقل لنا الواقع بصورة مختلفة عن الحقيقة، الفرق بينهم وبين هنيدي، أنهم يكذبون ويصدقون الكذبة ويتفننون بها لكسب أكبر عدد من المتابعين، أما هنيدي فهو يقدم فناً درامياً يسخر فيه من الواقع ويقدم أيضاً دروس وعبر بصورة راقية ومختلفة. البعض يتوقع أن الوصول لدرجة جودة الحياة بما يعيشها بعض مشاهير التواصل الاجتماعي، أصبح المجتمع -وهذه حقيقة للأسف- مُنقاداً خلف هؤلاء الوهميين، الكثير معهم، ومن خلال متابعته للحظات السخيفة التي ينشرونها، يعيشون وبصورة إرادية كحلم هنيدي في مدينة العطر التي كانت مجرد حلم بالنسبة له ولمدة لحظات، ألفاظ خادشة، ومظاهر كاذبة، واستغلال الأبناء وإظهارهم بصورة غير لائقة، واستعراض المفاتن بصورة سمجة، وافتعال قصص الشتم والتحريض، والوصول لتجاوز السلطات الأمنية ومحاولة الإساءة لها بنشر فيديوهات من كاميرات منزلية، لمحاولة دهس إحداهن للانتقام منها، وكأننا في غابة ولا يوجد مظلة أمنية أو قانونية تنظم هذه الأمور. أعجبني منشور في مصر يتحدث عن جزئية شهيرة في مسرحية عادل إمام "شاهد ما شافش حاجة" في المسرحية حسب المتداول، "عادل إمام يقول للقاضي: عارف آخر نفق العباسية؟، فيرد القاضي: أيوا عارفه، عادل: في واحد بتاع عصير، القاضي: أيوا مالو؟، عادل: وحش متبأش تشرب منه.." حوار بسيط وباللهجة المصرية المعروفة، تخيلوا حاول صاحب محل العصير السيئ أن يرفع قضية على المسرحية لإساءتها له رغم أنه سيئ، بالفعل، ولكن حصل العكس وتهافت الناس على المحل وأصبح محلاً مشهوراً، كشهرة الموجودين لدينا، وهذا الحوار بالفعل يختصر الواقع الذي نعيشه، لذلك الدراما التي نعيش لحظاتها يومياً هي كصاحب محل العصير وكمدينة الورد والمسؤول عن رش العطر هنيدي فيها، دراما مخزية ومؤلمة ولن نتوقف عن الحديث عنها حتى نعيش واقعنا الجميل.