حققت الميزانية السعودية في الربع الثالث 2021 أول فائض منذ الربع الأول 2019 بنحو 7 مليارات ريال، ما قلص العجز إلى حدود 5 مليارات ريال، على الرغم من تراجع الإيرادات بنحو 16 مليار ريال مقارنة مع الربع الثاني، وتراجع الإيرادات جاء من الإيرادات غير النفطية وتحديداً بند الضرائب الأخرى، ويأتي أغلبها من زكاة الشركات التي يتم توريدها غالباً في الربع الثاني بعد الانتهاء من إعداد القوائم المالية للشركات التي تنتهي سنتها المالية في ديسمبر، وكذلك ضرائب الدخل التي تراجعت بنحو 4 مليارات ريال لذات السبب، في المقابل ارتفعت الإيرادات النفطية بنحو 16 مليار ريال نتيجة تحسن أسعار النفط، في المقابل تراجعت المصاريف في الربع الثالث مقارنة مع الربع الثاني بنحو 16 مليار ريال، وجاء الانخفاض من بند المنافع الاجتماعية لأن الربع الثاني تخلله شهر رمضان المبارك، وعادة تدفع الحكومة معونة رمضان لمستفيدي الضمان الاجتماعي، وهذا سبب ارتفاع المصاريف في الربع الثاني، أما تراجع المصاريف في الرفع الثالث فكان السبب الرئيس في تحقيق فائض في الربع الثالث وليس زيادة الإيرادات، هذا يقودنا إلى سؤال.. هل تحقق الميزانية السعودية فائضاً في الربع الأخير وتصفير العجز أو حتى تحقيق فائض في نهاية العام؟ الحقيقة أن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج النظر إلى عدة أمور، أولاً: الإيرادات، من المتوقع زيادة الإيرادات، وسوف تأتي الزيادة من الإيرادات النفطية، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات فوق 80 دولاراً، والتوقعات تشير إلى استمرار هذه الأسعار، أيضاً زيادة الإنتاج التدريجي وكذلك زيادة معدل الريع الهامشي من 40 % إلى 45 % المطبق على أسعار برنت التي تزيد على 70 دولاراً أميركياً للبرميل وحتى 100 دولار أميركي للبرميل، الإيرادات غير النفطية لا نتوقع زيادة كبيرة عن المحقق في الربع الثاني إلا في بند إيرادات أخرى، التي ترتفع عادة في الربع الأخير وهي عبارة عن العوائد المتحققة من وحدات الحكومة العامة، منها: البنك المركزي السعودي، وربما ترتفع إيرادات ضريبة القيمة المضافة مع زيادة إنفاق المستهلكين في موسم الرياض، وأتوقع أن تحقق الدولة إيرادات ما بين 250 إلى 260 مليار ريال، أما المصاريف حسب تقديرات الميزانية سوف تصل إلى 990 مليار ريال، صُرف منها 701 مليار ريال حتى نهاية الربع الأول، وهذا الرقم إن تحقق سوف يكون العجز ما بين 30 - 40 مليار ريال، وبحسب أرقام الميزانيات السابقة فإن أعلى المصاريف تكون في الربع الأخير، ولو تحققت توقعات وزارة المالية في البيان التمهيدي لميزانية 2022، فإن المصاريف سوف تصل هذا العام إلى 1015 مليار وبهذا سيرتفع العجز ما بين 45 -55 مليار دولار، وهذا العجز يمثل فقط 39 % من العجز المقدر في ميزانية 2021، ويعتبر إنجازاً كبيراً للمالية السعودية في ظل أزمة اقتصادية كبيرة، وهو أقل عجز للميزانية منذ عام 2014، وهذا يؤكد واقعية التقديرات الأولية للميزانية السعودية خلال الثلاث سنوات المقبلة حسب البيان التمهيدي، وتحقيق فائض بدءاً من ميزانية العام 2023، وإذا تسارعت عملية تخصيص المؤسسات الحكومية سوف تنخفض الأعباء المالية على الدولة مما يقلص المصاريف، إضافة إلى دور صندوق الاستثمارات العامة في تحمل جزء من الإنفاق الرأسمالي والمقدر بنحو 150 مليار ريال سنوياً، وكذلك تفعيل برنامج شريك بين القطاعين العام والخاص، وبرنامج ترشيد الإنفاق وعمليات مكافحة الفساد كان لها دور في خفض المصاريف خلال السنوات الماضية، وسوف يكون لها دور أكبر خلال السنوات المقبلة مع التوسع في أتمتة القطاع العام وتطبيق حوكمة الأجهزة الحكومية. الإيرادات في ميزانية عام 2021 قد تتجاوز 950 مليار ريال، بينما قدرت وزارة المالية الإيرادات في عام 2022 بنحو 903 مليار ريال، وهذا دفعنا في تقاريرنا السابقة للاعتقاد بأن تقديرات وزارة المالية للإيرادات احتسبت خفضاً لضريبة القيمة المضافة؛ لأن الدخل من ضريبة القيمة المضافة هذا العام سوف يصل إلى مستويات 90 مليار ريال، ولو قدرنا أن هنالك خفضاً في الضريبة بنسبة 50 %، فإن إيراداتها في عام 2022 ستكون في حدود 45 ملياراً، وهذا ينسجم تماماً مع تقديرات وزارة المالية للإيرادات في ميزانية عام 2022، إلا أن معالي وزير المالية صرح قبل أيام بأن ضريبة القيمة المضافة مستمرة كما هي حتى تتحسن المالية العامة، وهذا يعني أن ضريبة القيمة المضافة لن يتم خفضها إلا بعد عام 2023، وهو العام المتوقع أن تحقق فيه الميزانية فائضاً مالياً.