أعلنت المملكة الأسبوع الماضي موازنتها التقديرية لعام 2021م بإنفاق قدر بنحو 990 مليار ريال، وإيرادات بنحو 849 مليار ريال، وعجز مالي في حدود 141 مليار ريال، بنسبة 4.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 12 في المئة العام 2020، ولاشك أن هذا الخفض في العجز المالي يعد تحدياً كبيراً للحكومة، وأعتقد أنها تستطيع الوصول إلى الأرقام المقدرة على الرغم من استمرار جائحة كورونا وتأثيراتها على النشاط الاقتصادي عالمياً على الأقل خلال الربع الأول من العام 2021، وقد تنخفض التأثيرات خلال الربع الثاني وتتلاشى تماماً مع بداية النصف الثاني، ولكن التعافي الكامل للاقتصاد العالمي ربما يحتاج إلى 3 سنوات، أرقام ميزانية 2020 أظهرت تفاقم العجز خلال الربع الأخير بنحو 114 مليار ريال، وذلك لأن المصروفات سجلت أعلى رقم في الربع الأخير بنحو 342 مليار ريال بزيادة 34 في المئة مقارنة مع الربع السابق، بينما تحققت إيرادات بنحو 228 مليار ريال مقارنة مع الربع الثالث بزيادة 6 في المئة فقط، وقد يُعزى سبب الزيادة في المصروفات خلال الربع الأخير إلى أنها مستحقات مؤجلة للقطاع الخاص وقررت المالية أن تنهي ميزانيتها لهذا العام بتسوية لكل المستحقات بعدما ظهرت بوادر انفراج في الأزمة الاقتصادية وضخ سيولة تنشط الاقتصاد المحلي، وقد لوحظ ارتفاع عرض النقود خلال الربع الأخير من 2069 مليار ريال بنهاية سبتمبر إلى 2161 مليار ريال في 10 ديسمبر، وهذه السيولة العالية التي دخلت في النظام المصرفي سوف تدعم عمليات الإقراض للقطاع الخاص والتي سوف تساهم في سرعة التعافي من الأزمة وخصوصاً أن نسب الفوائد منخفضة جداً وسوف تستمر عند هذه المستويات على الأقل خلال السنتين المقبلتين، وهذا محفز للقطاع الخاص للتوسع في الأنشطة والمشروعات وسوف تنخفض التكاليف التمويلية على الشركات. ميزانية 2021 أظهرت تراجعاً كبيراً في الإنفاق الرأسمالي بنحو 58 في المئة مقارنة مع ميزانية 2020، وتعتقد الحكومة بأن الصناديق الحكومية سوف تقوم بهذا الدور، حيث قُدر الإنفاق الرأسمالي لصندوق الاستثمارات العامة خلال العامين المقبلين نحو 150 مليار ريال، وهذه الأرقام مع أرقام إنفاق الحكومة الرأسمالي في الميزانية أعلى من الإنفاق في السنوات الماضية، وهذا من شأنه تحريك عجلة النشاط الاقتصادي وخلق فرص وظيفية جديدة تساهم في خفض نسب البطالة، أما التضخم الذي ارتفع بداية من النصف الأول من العام 2020 بسبب رفع ضريبة القيمة المضافة من 5 في المئة إلى 15 في المئة تراجع خلال شهر نوفمبر إلى 5.8 في المئة بعدما سجل 6.2 في المئة في شهر أغسطس، وتتوقع وزارة المالية أن التضخم سيبدأ في الانحسار بدءاً من العام المقبل 2021 عند 2.9 في المئة، ومزيداً من التراجع إلى 2 في المئة خلال العامين 2022 و2023، وهذا جيد في ظل عودة قوية للنشاط الاقتصادي خلال الأعوام المقبلة. الإيرادات غير النفطية أحد أهم أهداف رؤية المملكة 2030، وصلت نسبتها في العام 2020 إلى 46.5 في المئة وهذا تطور في غاية الأهمية سوف ينهي معاناة الدولة مع الإيرادات النفطية المتقلبة والتي عطلت لسنوات عديدة خطط التنمية، وميزانية 2021 سوف تحقق نمواً جيداً في ظل الاعتماد على الإيرادات غير النفطية وسوف يستمر ارتفاع مساهمتها في الإيرادات العامة للدولة خلال السنوات المقبلة، الإيرادات النفطية قُدرت على أساس سعر من 45 – 50 دولاراً للبرميل، وهذا قد يتحقق إن لم تحصل مفاجآت غير محسوبة، وتُقدر وكالة فتش بأن نقطة التعادل في ميزانية المملكة تحتاج إلى أسعار نفط في حدود 67 دولاراً للبرميل، ولكن الوصول إلى هذه الأرقام قد يكون مستحيلاً على الأقل خلال العام المقبل. الصناعة وضعت لها الحكومة في ميزانية 2021 برامج تحفيزية للنهوض بها ودعمها من أجل منافسة المنتجات المستوردة، وكذلك البدء في تنفيذ نظام الاستثمار التعديني الذي سوف يعزز فرص الاستفادة من المعادن وتحفيز الاستثمار الأجنبي للدخول في هذا النشاط المهم، كما أن الحكومة وضعت ميزانية أولية تقدر بنحو 15 مليار ريال لدعم عملية التحول في قطاع التعدين الذي تتجه إليه الدولة في ضوء رؤية 2030، وفيما يخص الثورة الصناعية الرابعة، فإن المملكة ستكون في مقدمة الدول التي ستكون لها الريادة في هذا المجال، حيث أطلقت الحكومة خطة لرفع كفاءة 100 مصنع تابع ل"مدن" منذ بداية العام الجاري، مما يخلق فرصاً كبيرة لرواد الأعمال. حسين بن حمد الرقيب