تحدثت في مقالاتي السابقة من جانب تنظيري عن جهود الهيئة السعودية للملكية الفكرية ودورنا كمساهمين وشركاء في تعزيز ثقافة الوعي بالملكية الفكرية على الصعيد الوطني. واليوم ها أنا أنقل لكم واقع تجربتي الشخصية بعين مواطنة من جانب ما لامسته من خلال زيارتي الأخيرة لمقر الهيئة بعيدًا كل البعد عن اهتمامي الجليّ بهذا المجال، بعد أن التقيت بالمتحدث الرسمي الأستاذ ياسر الحكمي "ولأن الشيء بالشيء يذكر" قد سرني ما لمسته من جانبه من عناية واهتمام وبذل وعطاء، جعلني أتفاءل بمستقبل واعد ومشرق لحماية نتاج وإبداعات شبابنا وشباتنا، وقد تطرقنا بالحديث عن قيمة العلامة التجارية اليوم وتعظيم الأصول غير الملموسة؛ حيث إن الأصل غير الملموس تتدفق على المنشأة منه منافع اقتصادية قد تفوق قيمة المنشأة بأكملها على سبيل المثال - وبالمثال يتضح المقال - يؤدي التركيز على استخدام الملكية الفكرية في عملية الإنتاج تحديدًا إلى خفض نسبة التكاليف المستقبلية التي قد تتكبدها المنشأة، والملكية الفكرية بلا شك أصل غير ملموس ينشأ عن إبداعات العقل البشري وله قيمته التجارية في السوق ووزنه وأثره الاقتصادي على الصعيد المحلي. وهذا ما دعانا للحديث أكثر عن أهمية تسجيل العلامة التجارية ممن يمارسون أعمالًا تجارية من أفراد وشركات ومؤسسات؛ فالعلامة التجارية من أهم الأصول فهي بمثابة صورة المنتج في ذهن الزبون وطوق النجاة للمنشأة والفرد؛ ذلك لأن قيمتها قد تفوق حجم الإيرادات والمبيعات، بل الأكثر من ذلك أن أهمية العلامة التجارية تبرز بجدية عند تسجيلها في حماية مالكها من المنافسة الشرسة؛ ففي كثير من الأحيان نجد أن بعض الشركات لا تهتم بتسجيل علامتها التجارية وقد يعزى ذلك إلى غياب الوعي الكافي بأهمية الأصل الذي تملكه مما قد يجعلها تقع في مخاطر يصعب تداركها. ومن جانب تعظيم الأصول غير الملموسة وأهمية قيمة العلامة التجارية فقد كشفت براند فايننس (Brand Finance) مؤخرًا أن شركة أرامكو السعودية حصلت على الترتيب الثاني كأغلى وأقوى علامة تجارية عالميًا بين شركات النفط والغاز خلال العام الجاري 2021م. فالهيئة السعودية للملكية الفكرية تدعو مالكي العلامة التجارية للمسارعة بتسجيل علاماتهم التجارية؛ درءًا للإشكاليات المتحصلة نظير عدم تسجيلها مستقبلاً ولتمكين ملاك العلامات التجارية من الاستفادة من علاماتهم وتحقيق العوائد المتحصلة منها بشكل أفضل. وبالعودة لطبيعة الواقع العملي من خلال زيارتي للهيئة عرفني المتحدث الرسمي على ما يعرف بأكاديمية الملكية الفكرية والتي يتم من خلالها طرح برامج تدريبية دورية للملكية الفكرية عامة ومتخصصة -حضورية وحتى عن بعد- باللغتين العربية والإنجليزية، وكذلك ورش عمل تستهدف المتخصصين والمنشآت وأعضاء هيئة التدريس والطلبة وعامة المهتمين، يقوم عليها نخبة من المختصين من منسوبي الهيئة على رأسهم مستشار الهيئة Dr. Francis Gurry، والذي على ضوئه أصدرت أكاديمية الويبو تقريرًا يفيد بوجود المملكة ضمن المراكز العشرة الأولى في الاستفادة من البرامج التدريبة للملكية الفكرية خلال العام الماضي، هذا وقد حققت المملكة مؤخرًا خلال هذا العام الجاري 2021م ممثلة بالهيئة السعودية للملكية الفكرية نجاحاً آخر يضاف لسجل إنجازاتها، وذلك برئاستها أربع جمعيات وانضمامها لعضوية لجنتين في المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO. هذا وقد لفت نظري المتحدث الرسمي من جانبه في حديثه عن مبادرة "مسؤول احترام الملكية الفكرية" والتي تهدف إلى زيادة الاحترام والمثول بالأنظمة الخاصة والمتعلقة بالملكية الفكرية من خلال العمل المكثف على تأهيل وتدريب موظف من كل جهة حكومية ليكون بمثابة "شريك" وحلقة وصل بين الهيئة والجهات الحكومية؛ وهذا بلا شك يفضي إلى تعزيز الشراكة وتسهيل عملية المتابعة مع القطاع الحكومي، هذا فضلاً عن الشبكة الوطنية لمراكز دعم الملكية الفكرية (TISC)، بل وقد سرني في حديثه عن زيادة نسبة الوعي في الآونة الأخيرة بأهمية الملكية الفكرية مما كانت عليه سابقًا؛ فقد أصبح هنالك إدراك وعناية من جانب المواطنين في إقامة البلاغات والكشف عن التعديات التي قد تحصل، هذا وقد أكد من جانبه أن الهيئة تسعى للحد من تلك التعديات في التلقي والرصد والضبط وإقامة الجولات التفتيشية والإتلاف بل وحتى تشهير المخالفين لردع كل من تسول له نفسه إلى ارتكاب مثل هذه التعديات التي تمس الحقوق المكفولة نظامًا، وذلك لتقديم الحماية اللازمة وتمكين أصحاب الحقوق من الاستفادة من حقوقهم قدر الإمكان، وهذا تحقيق لما وعد به الرئيس التنفيذي للهيئة الدكتور عبدالعزيز السويلم في أحد اللقاءات حينما قال: "نحن نريد أن نوقف التعمد ونقلل الجهل". ختامًا، أفكارنا اليوم خضراء في الغد.. أنا وأنت ونحن لها.. معًا لمستقبلٍ أخضر.