هل سبق لك أيها القارئ الكريم أن اطلعت على تجربة شخص قريب أو مررت أنت شخصيا بأن تبقى مدة طويلة في وظيفة ما دون ترقية أو تدريب أو حتى نقل إلى وظيفة أخرى؟ أو أن الأعمال الممارسة اليومية عبارة عن تكرار للمهام ونسق روتيني ممل قاتل؟ إن هذا هو ما يسمى (الجمود) أو التجمد الوظيفي، وهو من وجهة نظري سبب من أسباب بطء وتأخر بعض الجهات وتعثر جهودها وتبعثر خطاها في اللحاق بركب التطوير والتجديد، وقد اطلعتُ على دراسة للجمعية الألمانية للتمارين الذهنية، أكدت فيها أن الروتين الوظيفي يُعدّ العدوّ اللدود للذهن؛ لأن أداء المهام ذاتها يومياً بنفس النسق والرتابة يسبب تراجعاً للنشاط الذهني على المدى الطويل. لذا نسأل جميعنا: ما الحل للروتين والجمود الوظيفي؟ يقول أحد الفلاسفة: إن (التغيير) هو قانون الوجود، وإن الاستقرار هو موت وعدم، ومن هنا فإن الحل واحد من أمرين: الأول في يد الموظف: قيل: إن البحر الهادئ لا يصنع بحارا ماهرا، وأقول: إن الجمود الوظيفي لا يصنع موظفا مبدعاً ذا قيمة مضافة في المنظمة، والبعض قد يكون اعتاد على هذا الجمود وألفه وأصبح (منطقة راحة) له يخشى مغادرتها، وبناء على هذا قبل أن تفكر في مغادرتها والخوض في غمار التغيير والتجديد لا بد أن تتهيأ جيداً وتتأهل وتتدرب وتتسلح بالمعرفة والعلم والمهارة، فالآن أصبح كل شيء ممكنا ومتاحا. أوجِدْ لك نقطه قوة وانطلق منها ولا تنتظر من جهة عملك أن تبادر بذلك، فتسلمْ زمام أمورك وبادر وطالب بالنقل أو الانتقال أو التدوير أو التكليف أو التحوير... إلخ، المهم أن تبحث عن مسببات الجمود وتعالجها بطريقتك، وألا ترضى بها، فالجمود هو مقبرة الموظفين وتعطيل وتقاعد على رأس العمل! الحل الثاني في يد المنظمة: إن توجه الدولة -أيدها الله- في رؤية 2030 رؤية التطوير والازدهار والتمكين يعتمد اعتماداً كبيراً على موردها البشري وتنمية قدراته وإمكانياته؛ ليكون موردا فاعلاً مساهماً معطاءً ذا قيمة تنافسية، وقد أطلقت الحكومة منذ بداية انطلاقه الرؤية برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية الذي يهدف إلى التحول من مفهوم شؤون الموظفين إلى إدارة الموارد البشرية وتنميته، ومؤخراً أطلق سمو ولي العهد برنامجا لتنمية القدرات البشرية، وما هو إلا دليل وشاهد على حرص القيادة على تنمية موردها البشري؛ لذا نعوّل على صناع القرار في القطاعين العام والخاص الكثير الكثير في إيجاد برامج وممارسات احترافية تتماشى مع الرؤية، وهذا يعني أنه لا مكان للجمود والروتين، بل الخطة هي القضاء على مسبباتهما، ونعم وأهلا بالتمكين والتدريب والتحفيز والتأهيل وإيجاد مسارات وظيفية واضحة، ينمو فيها الموظف ويتطور ويتجدد ليكون رافدا ومحورا ارتكازيا لدفع عجلة التنمية.