تُبنى المتاحف للإشادة بإنجاز معين باستثناء متحف الفشل الذي افتتح مؤخراً في السويد.. أسسه عالم نفس وباحث في مجال الابتكار يدعى صاموئيل ويست.. يعشق البحث عن المنتجات الفاشلة والأسباب التي منعتها من النجاح.. يؤمن بأن الفشل مقدمة النجاح، وأن التعلم من الأخطاء يعني العودة بإنجاز أعظم.. يضم متحفه أكثر من 65 منتجاً واختراعاً فاشلاً خرجت من شركات كبيرة لم تبخل عليها بالمال والبحث ودراسات الجدوى.. ومن هذه المنتجات (الفاشلة) نظارات جوجل، وجهاز نيوتن من آبل، وكوكاكولا بنكهة القهوة، وفيديو بيتاميكس من سوني، ولازانيا مجمدة من كولجيت، وعطر برائحة الجلد من هارلي ديفيدسون، ولعبة حظ ابتكرها رئيس أميركا الحالي دونالد ترمب... وبطبيعة الحال، تعد هذه المنتجات فاشلة في حال نظرنا إليها (كمنتجات نهائية).. ولكنها في نظري محاولات تعلم مكنت الشركات من فهم أسواقها وزبائنها بشكل أفضل.. كانت بمثابة مقدمة لمنتجات أفضل أتاحت لأصحابها اكتساح الأسواق لاحقاً - كما فعلت آبل حين قدمت جهاز الأيفون مستفيدة من الأخطاء التي ارتكبتها في جهاز نيوتن.. كنت أتمنى فعلاً لو توسعت فكرة المتحف لاستعراض محطات الفشل في حياة العظماء والمشاهير والقادة الكبار. فنحن لا نعرف عن العظماء سوى لحظات الانتصار ونتناسى أنهم مثلنا مروا بعقبات ومحاولات فاشلة حتى قطفوا ثمرة النجاح.. نيليسون مانديلا قضى 27 عاماً في سجن انفرادي قبل أن يصبح رئيساً لأفريقيا الجنوبية.. وكافح غاندي طوال حياته الاحتلال البريطاني وعاش حياة زهد وكفاف قبل أن يصبح أباً روحياً لجميع الهنود.. وفشل الملك عبدلعزيز في فتح الرياض (قبل محاولته الناجحة عام 1902) واستمر في رحلة التوحيد من سن السادسة والعشرين حتى سن الثامنة والسبعين... وكل هذا يثبت أن الفشل خطوة تمهد للنجاح حتى في حياة الناس.. يصعب تحقيق النجاح دون تجربة متعثرة نتعلم منها طريقة الانتصار.. حين تتأمل سير المشاهير والعظماء وأثرياء العصر الحديث تكتشف أن النجاح كان هو "النهاية السعيدة" و"رأس الهرم" الذي بني على كم هائل من الفشل وخيبات الأمل.. شاهدت قبل فترة لقاء قصيراً مع رجل الأعمال الصيني جاك ما (أغنى رجل في آسيا ومؤسس موقع علي بابا للبيع عبر الإنترنت).. كان فاشلاً ومنحوساً بطريقة تثير الإعجاب فعلاً.. فقد رسب في المرحلة الابتدائية مرتين، وفي المتوسطة 3 مرات، وفي الثانوية 4 مرات، ورفضت قبوله جميع الجامعات.. تم رفضه من 30 وظيفة رغم مهارته في تصميم المواقع وإتقانه للغة الإنجليزية.. حين فتحت مطاعم كنتاكي أول فرع لها في الصين أعلنت عن حاجتها لموظفين وقبلت جميع الطلبات باستثنائه هو.. غير أن فشله جعله يؤسس متجراً صغيراً على الإنترنت تحول لشركة توازي في ضخامتها أمازون (في أميركا).. وخلال سنوات قليلة استحوذ على النسبة الأكبر من مبيعات التجزئة الإلكترونية في الصين وشرق آسيا - ناهيك عن وصول خدماته لجميع دول العالم - الأمر الذي قفز بثروته إلى 12 بليون دولار حتى عام 2013.. العجيب أن الرجل تقاعد طواعية وأعلن عن نيته حرمان ابنه وابنته من ثروته الضخمة.. (لماذا؟).. لأنه يعتقد أن وراثة النجاح تعمى عن أسباب الخسارة!