لحظة الإلهام تأتي فجأة وتنتهي بسرعة.. تأتي بلا جهد أو تعب أو حتى توقع.. ولكن تنفيذ الفكرة (التي هبطت عليك فجأة) قد يستغرق العمر كله.. المخترع الأميركي توماس أديسون خطرت بباله فكرة المصباح الكهربائي في الحمام (وتتمثل في إمرار تيار كهربائي في سلك عالي المقاومة حتى يسخن لدرجة الإضاءة) غير أن تنفيذ الفكرة تطلب أربع سنوات من المحاولات الفاشلة.. فالحرارة العالية تتسبب دائماً في إذابة وقطع "الفتيل" أو سلك المصباح المضيء.. اضطر لتجربة 2900 معدن وسبيكة مختلفة حتى اختار في النهاية خيطاً من التنجستين يتوهج في زجاجة ملأها (كي لا تحترق) بغاز خامل.. ومن المعروف أن أديسون قدم أكثر من ألف اختراع مماثل، وحين سئل عن سر العبقرية قال: لا يوجد سر فالعبقرية 1 % إلهام و99 % اجتهاد.. وحين تتأمل هذه المقولة تكتشف أنها صحيحة بشكل كبير؛ فنحن نفكر بشكل تلقائي ومستمر (حتى أثناء النوم) في حين أن تطبيق الفكرة يتطلب سنوات طويلة من العمل والصبر وعدم التراجع.. التجارب الفاشلة محاولات للتعلم، وتدرج في الاتقان، ومن الطبيعي أن نفشل إن أردنا الوصول للحل الأمثل.. الفشل لا يعني إطلاقاً أنك إنسان فاشل، بل إنسان يحاول التعلم، ويبحث عن أسباب النجاح.. كلما فشلت أكثر كان نجاحك أعظم وإنجازك أكبر وإبداعك يصعب تكراره.. لا يجب أن تخاف من الفشل، أو تهرب من التجربة، أو يثنيك كلام الناس عن المحاولة.. إن كنت تخشى الفشل والانتقاد لا تفعل شيئاً على الإطلاق (وصدقني، حتى في هذه الحالة سيتهمونك بالجبن والكسل).. ما يجب أن تخاف منه فعلاً هو الخوف من التجربة وكلام الناس عنك. حرصك على عدم الفشل يعني التوقف وعدم تكرار المحاولة، أما حين تقوم وتنهض (وتسقط في الاتجاه الصحيح) فستصل لمبتغاك عاجلاً أو آجلاً.. العظماء لم يخلقوا بين ليلة وضحاها، ومن الخطأ اختصار حياتهم في جمل صغيرة مثل: فلان اخترع كذا أو اكتشف كذا أو فعل كذا وكذا.. من الخطأ أن نتحدث عنهم وكأنهم مخلوقات سماوية لا تخطئ وتنجز كل يوم عملاً جباراً.. فالنجاح رأس الجليد للمحاولات الفاشلة، والتفوق نتيجة سنوات طويلة من خيبات الأمل.. مصباح التنجستين أتى بعد 2900 مصباح فاشل، وطائرة (الأخوين رايت) حلقت بعد طائرات كثيرة سقطت بأصحابها، وعلم الوراثة بعد أربعة عشر عاماً من تجارب مندل على نبتة البازيلاء.. ولأن الخوف من الفشل وعدم المحاولة هما الآفة الشائعة بين الناس، تسمع الكثير من الأفكار العظيمة من أشخاص قضى عليهم الخوف والتردد.. العبرة ليست في الحديث عن الأفكار العظيمة، بل عدم اليأس من تطبيق الأفكار العظيمة.. سيقول البعض؛ ولكن هناك من يحقق النجاح من أول محاولة؟ .. وهذا صحيح؛ ولكن (أول محاولة) لا تعني بالضرورة قدرة صاحبها على النجاح وتكرار الإنجاز.. فهي إما "ضربة حظ" أو "منزلة موروثة" لا تقارن بمعرفة وخبرة من جرب وفشل وتجاوز العقبات وصعد بنفسه من الصفر.. Your browser does not support the video tag.